اتفاق غزة – أريحا، اتفاق باريس الاقتصادي، اتفاقية طابا أو أوسلو الثانية، اتفاق واي ريفر الأول، اتفاق واي ريفر الثاني، خريطة الطريق، اتفاق أنابوليس وغيرها من محاولات تفاوضية، أعقبت توقيع اتفاق أوسلو، باءت جميعها بالفشل، فلا قامت دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، ولم يُمنح اللاجئون الفلسطينيون حق العودة، ولم تتوقف عمليات تهويد القدس.


ماهية اتفاق أوسلو

لقد قلت لإسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إنه في حال كان متمسكًا فعلاً بالسلام فعليه أن يصافح ياسر عرفات لإثبات ذلك، تنهد رابين وقال بصوته المتعب: إننا لا نبرم اتفاقيات السلام مع أصدقائنا، فسألته: ستصافحه إذن؟، فرد بلهجة جافة: حسنًا، حسنًا، ولكن من دون عناق.

(نقلاً عن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مذكراته حول المصافحة التاريخية بين الرجلين في عام 1993).

اتفاق أوسلو هو اتفاق سلام وقعته دولة الاحتلال الإسرائيلي مع منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن، في 13 سبتمبر عام 1993. وسُمي أيضًا اتفاق «إعلان المبادئ» لأنه كان من المفترض أن يُمثل إطار عمل لاتفاقيات أخرى لاحقة؛ أي أنه إعلان لنية الطرفين للاعتراف بالآخر وإقامة سلام. وتعود تسمية الاتفاق إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية بداية من عام 1991.

يعتبر اتفاق أوسلو أول اتفاق رسمي مباشر بين دول الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي نص على:

1. تعترف دولة الاحتلال بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

2. تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة «إسرائيل» على 78% من أراضي فلسطين – أي كل فلسطين ما عدا الضفة وغزة.

3. تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية الإرهاب والعنف (المقاومة المسلحة ضد الاحتلال) وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها؛ كالعمل المسلح وتدمير دولة الاحتلال.

4. خلال خمس سنوات تنسحب دولة الاحتلال من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتين تشكلان 1.5% من أرض فلسطين.

5. تقر دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (أصبح يُعرف فيما بعد السلطة الوطنية الفلسطينية) على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة (حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مستقلة ذات سيادة).

ونص الاتفاق على أنه بعد ثلاث سنوات تبدأ مفاوضات الوضع الدائم، والتي تشمل الحديث عن ملف القدس، وعودة اللاجئين، وتفكيك مستوطنات الضفة الغربية وغزة، والترتيبات الأمنية المتعلقة بالتعاون بين الطرفين، وهي الملفات التي ما زالت عالقة إلى الآن.

وبعد 23 عامًا على توقيع الاتفاق، ما زالت تجليات النكبة حاضرة على الساحة الفلسطينية بسبب هذا الاتفاق.


المشروع الوطني الفلسطيني من التشويه إلى التلاشي

كل المشكلات الصعبة: الأمن والقدس واللاجئين الفلسطينيين والحدود، كل شيء تم تأجيله ومُنع نقاشه في محادثات أوسلو.

(هيلدا وييج، مؤرخة نرويجية متخصصة في محادثات أوسلو السرية).

كانت أوسلو هي أولى خطوات تشويه المشروع الوطني الفلسطيني، وصولاً إلى تلاشيه في الوقت الحالي. فمنذ نكبة 1948 وحتى أوسلو 1993، كان المشروع الوطني الفلسطيني الأوحد قائم على مبدأي التحرر والعودة، ولم يتبنّ مطلقًا مفاهيم الاستقلال أو الدولة أو السيادة أو السلطة.

وجاءت أوسلو لتعيد تعريف هذا المشروع بأنه يسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بحيث تكون عاصمتها القدس الشرقية، مع عودة اللاجئين إلى داخل فلسطين.

والواقع يقول إن المفاوض الفلسطيني لم يظفر بأي من الأهداف السابقة، بداية من أوسلو، ومرورًا بطريق طويل من المفاوضات. ورغم ذلك تُصر القيادة الفلسطينية أن التفاوض هو الحل، فهي تدعي أن ميزان القوى الحالي، والوضع العربي المنشغل بذاته، واستمرار عمليات الاستيطان، والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، لا يترك بديلاً عن المفاوضات. وهكذا فإن صانع القرار الفلسطيني صار مُحللاً للواقع السياسي، بدلاً من أن يكون قائدًا يصنع البديل، ويُصر على الربط بين العملية التفاوضية وتحقيق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، الذي في حقيقة الأمر قد تلاشى تمامًا سواء بأهدافه التي تبناها قبل أوسلو أو بعدها.


تغير مفاهيم القيادة السياسية الفلسطينية

اتفاق أوسلو كان أكبر فكرة عبقرية في تاريخ إسرائيل لأنه ضمن استمرار الاحتلال دون أن تدفع إسرائيل تكاليف الاحتلال.

(مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية).

قبل أوسلو، اتفقت كافة أجيال القيادات الفلسطينية على أن الكفاح المسلح هو نهجهم الأساسي وطريقهم الأوحد إلى تحرير فلسطين، وإن اختلفوا في تكتيكات تطبيق هذا النهج.

أما بعدها، ونتيجة تغير أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، صار التفاوض هو الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من ضرورة الحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفتح قنوات التواصل معهم، والسعي إلى عدم إغضاب الإدارة الأمريكية، ومواجهة أي نشاط علني للمقاومة الفلسطينية.

وهو الأمر الذي تتوارثه حاليًا الأجيال الجديدة في السلطة الفلسطينية، وتسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تثبيته ضمن مكونات السلطة مهما تغيرت أشخاصها.

وبذلك، انفصل وعي القيادات عن وعي الشعب الفلسطيني، فباتت تمثل رؤاها الخاصة ومصالحها الشخصية.

ناهيك عن أن أوسلو قد جعلت السلطة الفلسطينية تلتهم الحركة الوطنية الفلسطينية وفصائلها التي عبرت عنها منظمة التحرير، حيث تحولت السلطة بعد وقت قصير من أوسلو إلى المؤسسة المركزية، وسلبت مهام منظمة التحرير الفلسطينية دون أن يكون حجم تمثيلها شبيهًا بحجم المنظمة داخليًا وخارجيًا، وعانت كل أذرع المنظمة بعد قيام السلطة: المجلس الوطني، والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية من تآكل داخلي وتغييب واقعي لدورها.


استحالة فك الارتباط بين السلطة والاحتلال

اتفاق أوسلو هو أفضل ما حدث للمستوطنين الإسرائيليين والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، لقد أوجد الظروف الملائمة التي ينتعش معها مشروعهم.

(درور إتكس، ناشط إسرائيلي متخصص بالمستوطنات).

أسس اتفاق أوسلو علاقة ارتباط قوي بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي، بحيث أن الأولى لم تعد قادرة على إلغاء أوسلو وفك هذا الارتباط.

فعلى الرغم من أن إسرائيل لم تطبق من أوسلو شيئًا فإن بندًا واحدًا في الاتفاق وهو “التنسيق الأمني” جعلها تهدد وتوعد، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق «موشيه يعالون»: «لا أظنهم قادرين على وقف التنسيق الأمني، فلولا جيشنا في الضفة الغربية لانهارت السلطة».

وبسبب الخوف من وقف إسرائيل كل أشكال التعاون، بما في ذلك قطع الأموال وإغلاق الحدود ووقف توريدات السولار والكهرباء للفلسطينيين، تبدو فكرة إلغاء أوسلو أو ما تبقى منه مرعبة للسلطة. إذ قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح «نبيل شعث»: «إنه من الصعب على السلطة إلغاء اتفاق أوسلو بالكامل؛ لأن هناك الكثير من العلاقات المتشابكة والمترابطة التي تحتاج إلى تفكيك»، وأضاف: «نحن الآن مرتبطون بالاقتصاد الإسرائيلي والكهرباء والماء والطاقة، ولنتمكن من تفكيك هذه العلاقة نحن بحاجة لخطة عمل».

وذكر «محمود الهبّاش»، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأحد المقربين منه، أن «الجانب الفلسطيني لا يتحدث عن إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي وفق أوسلو، وإنما يطالب بتنفيذ متبادل لها».

وهكذا، يتضح أن اتفاق أوسلو لم يكن مجرد فصلاً من فصول القضية الفلسطينية، لكنه كان نكبة ثانية لا تقل في كارثية نتائجها عن نكبة 1948، ففي عام 1948 فقد الفلسطينيون أرضهم، وفي عام 1993 فقدوا بوصلة كفاحهم.


المراجع



  1. نديم روحانا، “المفاوضات وأزمة المشروع الوطني”، مجلة دراسات فلسطينية، العدد 96، خريف 2013، ص ص 8 – 13.

  2. “ثمن أوسلو”، موقع الجزيرة (فلسطين ريمكس).

  3. “اتفاقية أوسلو: ما هي عملية السلام 1993″، موقع فلسطين سؤال وجواب.

  4. كفاح زبون، “اتفاق أوسلو: الخنجر الذي بلعه الفلسطينيون”، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 7 أكتوبر 2015.

  5. “20 عاماً على أوسلو: محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية”، موقع عرب 48، 16 سبتمبر 2013.