عملية درع الفرات، التي تنفذها أنقرة بالتعاون مع فصائل سورية معارضة، حققت أهدافها

بهذا

البيان

العسكري أعلن رئيس هيئة الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، أمس، 24 فبراير/شباط، تحرير مدينة الباب السورية من يد تنظيم داعش، ليكتمل الهدف التركي بتحرير الشريط الحدودي من التنظيم الإرهابي ومنع سيطرة الأكراد السوريين عليها، لكن هل سيُعطى الضوء الأخضر لها لتنطلق نحو منبج والرقة، وهل ستقدر على ذلك؟


مراحل ما قبل الباب

أطلقت تركيا في أغسطس/آب 2016 عملية «درع الفرات»، مستعينة بقوات من فصائل المعارضة وعلى رأسها الجيش السوري الحر، تحت دعاوى حماية أمنها القومي من تهديدات داعش، والذي يسيطر على مناطق حدودية بين البلدين (تركيا وسوريا)، بينما هدفها الأساسي منع الأكراد من تشكيل كيان لهم على حدودها.

وبدأت أولى

محطات

«درع الفرات» باستعادة مدينة جرابلس شمالي سوريا، واستطاعت فصائل من قوات المعارضة، وخاصة الجيش السوري الحر، استعادة المدينة من أيدي التنظيم، لتبدأ في ترتيب صفوفها محاولةً استغلال ذلك في المفاوضات السياسية من أجل تعزيز موقفها التفاوضي.

ولأهمية جرابلس، بالنسبة لتركيا بدأت بها لأن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عليها كان سيعطي الأكراد القدرة على وصل حزامهم المطوق لتركيا من الجنوب، ما يمهد لإقامة دولة كردية متواصلة الأطراف على حدود تركيا إلى جانب تقويض الاتصال التركي بالدول العربية عبر هذا الحاجز وإتاحة الفرصة للتواصل مع أكراد تركيا، وخاصة بعد سيطرة (قسد) على مدينة عفرين شمالي سوريا.

مدينة الباب، جرابلس، درع الفرات، تركيا

خريطة مكبّرة للشمال السوري تظهر نطاق سيطرة المعارضة السورية من الحدود التركية شمالا إلى مشارف «الباب» جنوبا – 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

وكشف فكري إيشيك، وزير الدفاع التركي عن الأهمية الإستراتيجية لجرابلس، وتتمثل في منع الأكراد من الربط بين ضفتي نهر الفرات، فقد تراجعت الطمأنات الأمريكية لتركيا، التي تعهدت بانسحاب القوات الكردية من «منبج» بعد هزيمة داعش في المدينة، لكن ضمت القوات الكردية المدينة لسيطرتها، ولم يكن أمامها سوى جرابلس والشريط الحدودي (غرب جرابلس) الذي بقي بحوزة التنظيم، ومن ثمّ يتصل شرق الفرات بغربه، وتتصل عين العرب كوباني (شرقًا) بعفرين (غربًا).

وبعد جرابلس، اتجهت عملية درع الفرات إلى «دابق» صاحبة الرمزية الكبرى في السردية الداعشية، باعتبارها مدينة الملاحم «سنلاقيكم في الأعماق في دابق»، واستطاع مقاتلو المعارضة بدعم تركي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 استعادة بلدة دابق،

وأعلنت

رئاسة الأركان التركية أن تحرير دابق، قطع الطريق أمام الهجمات بالقذائف الصاروخية التي يشنها التنظيم على تركيا.

اقرأ أيضا:

دراع الفرات: قراءة شاملة من جرابلس إلى الباب

وإلى جانب ذلك تمكنت تركيا من منع وصول الأكراد إلى منطقة «أعزاز» ذات الأهمية الرمزية والإستراتيجية لأنقرة،

ودعمت

سيطرة المعارضة الموالية لها عليها، وكانت تركيا قصفت وحدات حماية الشعب الكردية أثناء محاولتها في فبراير/شباط 2016 السيطرة على المدينة مما عرضها لانتقادات دولية لكن

جاء

الرد على لسان رئيس الوزراء – حينها – داود أوغلو، قائلا: «لن نسمح بسقوط أعزاز، على العالم كله أن يعرف ذلك».

وبهذا أكملت تركيا تحرير شريط جرابلس أعزاز والباب، وطهرت حدودها من داعش كما قالت، والأهم أنها منعت سيطرة الكرد على هذا الشريط، وتستعد الآن للدخول في العمق السوري، وهو ما سيتوقف على التفاهم مع روسيا والولايات المتحدة.


دلالات تحرير الباب

ما أن يصبح هناك منطقة آمنة محررة من الإرهاب، سيجد السوريون فرصة لاستعادة الحياة الطبيعية

تعتبر مدينة الباب والتي تقع على بعد 25 كلم من الحدود التركية، ويعيش بها حوالي 100 ألف نسمة، ذات أهمية حيوية لأنقرة، فهي منعت بذلك سيطرة الأكراد عليها إلى جانب منع التنظيم من بوابة رئيسية كان يستغلها لإدخال المقاتلين والسلاح إلى تركيا، وبتحرير هذه المدينة أكدت أنقرة للغرب أنها قادرة على تحقيق هدفها بدون مساعدة غربية، كانت قد طلبتها من قبْل من التحالف الدولي، الذي لم يدعمها بشكل قوي.

ويمثل تحرير الباب فرصة كبيرة لتحقيق تركيا حلمها في إقامة منطقة آمنة، فالآن تسيطر قوات المعارضة الموالية لها على أكثر من ألفي كلم، وهي ملائمة لعودة اللاجئين إليها، وستروج لهذه المسألة حتى تحصل على تأييد الغرب، الذي تمثل له مشكلة اللاجئين معضلة كبيرة، انتعش على إثرها اليمين المتطرف وقارب على حكم بعض العواصم الأوروبية.

واستغلالًا لهذا الانتصار؛

أعلن

وزير الخارجية التركي عودة نحو 50 ألف لاجئ سوري من تركيا إلى سوريا، منذ بدء عملية درع الفرات، مؤكدًا أنه بعد النجاح في استعادة الباب سيعود الكثيرون إلى ديارهم، وشدد على أهمية إقامة المنطقة الآمنة التي تريد بلاده تحقيقها من وراء هذا الانتصار، قائلًا: «ما إن يصبح هناك منطقة آمنة محررة من الإرهاب، سيجد السوريون فرصة لاستعادة الحياة الطبيعية».

وباكتمال تحرير الشريط الحدودي بمدينة الباب، تكون تركيا قد استطاعت خلق حزام سُني عربي موالٍ لها على الحدود السورية، تستطيع تثبيت ذلك خلال التفاوض، وأنه لن يكون هناك حل للازمة السورية بدونها أو على حسابها.

وبالنسبة إلى داعش تُمثل المدينة أهمية إستراتيجية لهم، وتُعتبر همزة الوصل بعاصمة التنظيم في مدينة الرقة، وباستعادة الباب سيكون التنظيم مكشوفًا ومحاطًا من الجميع بجانب قطع خطوط الإمداد عنه، والتي كانت تأتيه من الباب شمالي سوريا، وفي الناحية الأخرى بالجنوب كان يعتمد على الموصل العراقية، والآن اقتربت القوات العراقية من استعادة المدينة بالكامل، وبهذا ستنقطع به جميع السبل.


العين التركية على منبج والرقة

بهذا

التصريح

كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن طموحه فيما بعد تحرير الباب، فهو يريد إخراج القوات الكردية الموجودة في منبج، إلى جانب منعها من قضم المزيد من أراضي الرقة مستغلةً في ذلك الدعم الغربي وخاصة الأمريكي.

وستعمل تركيا على طرد القوات الكردية من مدينتي منبج وعفرين السوريتين، ولكن ستواجه بمعارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة التي دعمت سيطرة الأكراد على هاتين المدينتين وغيرهما، ولهذا أراد أردوغان مقايضة إدارة ترامب بتولي أعباء تحرير الرقة، وإشارته إلى التعاون مع قطر والسعودية في ذلك لتحمل الأعباء المالية.


وكانت

«المدن» اللبنانية قد ذكرت، في تقرير لها بالأمس، عدة سيناريوهات ممكنة للتعامل مع تحرير الرقة، إذا كان ممكنًا، وهي:

  • دخول الجيش الحر مدعومًا بقوات خاصة تركية وعربية وأمريكية إلى الرقة، عبر مدينة تل أبيض على الحدود، جنوبي تركيا، وتتطلب العملية التقدم مسافة 50 كيلومترا، باتجاه عاصمة داعش، والسيطرة عليها.
  • التقدّم والسيطرة على بلدتي تادف ومسكنة، وعلى مدينة الطبقة، والتوجه بعدها إلى الرقة، في طريق يمتد لأكثر من 150 كلم، وهذا بالغ الصعوبة لأنها لن تقدر على تخطي كل هذه المساحة.
  • التوجه إلى منبج، وطرد قوات سوريا الديمقراطية منها، وشق الطريق عبر مناطق سيطرتها باتجاه الرقة، ومن المرجح أن ترفض الإدارة الأمريكية ذلك.

روسيا وأمريكا توقفان التحرك التركي

بعد هذه المرحلة سنتجه نحو منبج، وإذا توصلنا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي والسعودية وقطر فسننتقل إلى تطهير الرقة

لم تقدر تركيا على توسيع تدخلها في سوريا إلا بعد موافقة روسيا لها بعد أن تهادنت معها في استيلاء النظام على حلب، فقد أدركت أنقرة أن الغرب يريد إقامة دولة كردية متجاهلًا مصالح تركيا، ولهذا تعاونت مع روسيا في ذلك، وعقدت صفقة «الباب مقابل حلب».

ومع نشوء توترات مؤخرًا بين روسيا وتركيا حول إقامة المنطقة الآمنة، من غير المرجح أن توافق موسكو على توغل أنقرة في العمق السوري أكثر، كذلك لن تقبل روسيا بإقامة مناطق آمنة، لأن فيه تهديدا لطائراتها، إلى جانب حليفها النظام السوري، ولهذا من المرجح أن تكتفي روسيا بسيطرة أنقرة على منبج دون الرقة.

وقد تحاول موسكو توظيف ورقة منبج لإثارة الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، لأنها تعلم أن واشنطن لن تقبل بذلك، حيث تدعم أمريكا قوات سوريا الديمقراطية، وتقترح أنقرة على ترامب شن هجوم مشترك على الرقة بدون الكرد،

فقال

وزير الدفاع التركي فكري إيشيك: «ما نريده هو أن تجري عملية الرقة ليس مع الإرهابيين من وحدات حماية الشعب لكن مع الجيش السوري الحر».

ولهذا قد تكتفي تركيا حاليًا بتأمين شريطها الحدودي، وتعمل على التفاهم مع روسيا والولايات المتحدة على الأقل للحصول على منبج، أما الرقة فمن الصعب دخولها لأنها ستحدد مستقبل سوريا بالكامل وهو ما لن تقبله موسكو أو واشنطن، وستكتفيان فقط بطمأنة أنقرة من ناحية الكرد.