لم يكد يمضي سوى أيام قلائل على التنصيب الرسمي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حتى تكشّف الوجه العنصري لسياساته إزاء بلدان العالم الإسلامي، وهو وجه لم يبذل ترامب أي عناء لإخفائه منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه، لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية.فالسياسات الترامبية – إذا جاز التعبير – العنصرية تدور جميعها في فلك واحد، الإرهاب الإسلامي – على حد تعبيره غير ذي مرة – ومن ثم لا يجد ترامب أي غضاضة في اتخاذ قرارات أو توقيع مراسيم، من شأنها أن تمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة أو – على أقل تقدير- تعرقل سفرهم إليها؛ فتارة يوقّع في الـ27 يناير/ كانون الثاني الماضي، مرسومًا يحْظر دخول رعايا سبع دول مسلمة للولايات المتحدة، وهي: «سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، السودان، الصومال، إيران»، ويعلّق استقبال بلاده للاجئين السوريين لأجل غير مسمى، ويمنح أولوية للأقليات المسيحية لدخول الولايات المتحدة، وتارةً أخرى نجده، بعدما فشلت مساعي وزارة العدل الأمريكية في الدفاع عن مرسومه العنصري أمام المحاكم الأمريكية، يوقّع مرسومًا جديدًا في السادس من مارس/ آذار الجاري، لا يختلف كثيرًا عن مرسوم الحظر الأول، باستثناء رفع العراق من قائمة الدول التي شملها القرار القديم، وإلغاء البند المتعلق بأولوية الأقليات المسيحية ليلقى مصير القرار الأول، وهو التعليق.وخلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا في العشرين من مارس/آذار الجاري، أطّلت الإدارة الأمريكية الجديدة علينا بوجهها العنصري من جديد بقرار حظر إلكتروني مفاده منع حمل أي أجهزة إلكترونية على متن الطائرات المتجهة بطبيعة الحال من دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، لكنّ الجديد هذه المرة هو أن الحكومة البريطانية، وبعد يوم واحد من القرار الأمريكي، أعلنت السير على نهج الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقرار الحظر الإلكتروني، لتعم المطارات المسلمة من جديد حالة من التخبط والفوضى، في حين أعلنت ألمانيا أنه لا توجد نية لفرض قواعد مماثلة في مطاراتها في الوقت الراهن.اللافت في قرار الحظر الإلكتروني أن الصحف الأجنبية، التي انتفضت آنفًا على قراري الحظر السابقيْن، باعتبارهما تمييزا واضحًا ضد الدول المسلمة، انطلقت هذه المرة لتدافع عن قرار الحظر الإلكتروني استنادًا إلى تقارير استخباراتية أمريكية؛ مفادها أن التنظيمات الإرهابية الدولية، لاسيما فروع تنظيم القاعدة في سوريا واليمن وتنظيم داعش وشباب المجاهدين في الصومال، سيسعوْن لتهريب قنابل على متن الطائرات لتفجيرها في الجو، وهذه القنابل ستكون مخبأة في أجهزة إلكترونية كالحواسيب المحمولة واللوحية. واستشهدت الصحف بحادثة وقعت في فبرابر/ شباط خلال العام الماضي على متن طائرة صومالية أقلعت من مطار مقديشيو، حينما انفجرت قنبلة مخبأة في حاسب محمول على متن الطائرة ما أفضى إلى مصرع الانتحاري على الفور دونما سقوط قتلى آخرين، وهذه القنبلة كانت على درجة عالية من التطور بحيث لم تفلح أجهزة الأشعة السينية في المطار في اكتشافها.


الخطوط الجوية المتأثرة بقرارات الحظر الإلكتروني

يشمل القرار الأمريكي 9 شركات طيران؛ وهي الخطوط الملكية الأردنية ومصر للطيران والخطوط الجوية التركية والخطوط السعودية والخطوط الكويتية والملكية المغربية والخطوط القطرية والخطوط الإماراتية وطيران الاتحاد الإماراتية، والتي تسيّر رحلات من 10 مطارات، ألا وهي مطار القاهرة الدولي، مطار أتاتورك في إسطنبول، مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، مطار الملك خالد في الرياض، مطار الكويت الدولي، مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، مطار حمد الدولي في الدوحة، مطار دبي الدولي، مطار أبوظبي الدولي.على الجانب الآخر؛ يشمل قرار الحظر الإلكتروني الذي أصدرته السلطات البريطانية على غرار الإدارة الأمريكية ست دول، وهي: مصر، الأردن، السعودية، تونس، لبنان، تركيا.

من الملاحظ أن القرارين قد تقاطعا في أربع دول شملها الحظر الإلكتروني، وهي: مصر وتركيا والسعودية والأردن، بيد أنهما اختلفا في نقاط عدة، أبرزها:

  • عدم شمول قرار الحظر البريطاني دولة الكويت، والإمارات، وقطر، المغرب، وهي دول يشملها الحظر الأمريكي.
  • دولتا تونس ولبنان شملهما الحظر البريطاني ولم يشملهما الحظر الأمريكي.
  • لا يرتبط الحظر البريطاني بمعلومات استخباراتية، لكن بتزايد التهديدات الإرهابية بشكل عام.

تتضمن قائمة المحظورات: الحواسب المحمولة (لابتوب)، والحواسب اللوحية (تابلت وآيباد)، ومتصفحات الكتب الإلكترونية (أي ريدر)، وأي هواتف محمولة يزيد طولها عن 16 سنتيمتراً وعرضها عن 9.3 سنتيمتراً أو سمكها 1.5 سنتيمتراً، والكاميرات ومشغلات أقراص DVD المحمولة، والألعاب الإلكترونية الأكبر من الهاتف النقال، إضافة إلى أجهزة الطباعة والنسخ المحمولة. يستثنى من الحظر، الهواتف المحمولة التي لا يتجاوز طولها 16 سنتيمتراً، والأجهزة الطبية اللازمة خلال الرحلة للمسافرين الذين يحتاجون إليها.


إدانة تركية للحظر الإلكتروني وصمت عربي

باستعراض ردود الأفعال الرسمية للخطوط الجوية التي شملها قرار «الحظر الإلكتروني» الذي أصدرته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذا الردود الرسمية لحكومات الدول المعنية بهكذا قرار، لوجدنا أن هذه الردود قد أتت على شاكلة واحدة، وهي الانصياع التام لقرار «الحظر الإلكتروني» متخذةً كل الإجراءات التي يرتبها القرار؛ فشركة مصر للطيران، مثلا، قد أعلنت أنها ستبدأ بتطبيق قرار الحظر اعتبارا من يوم الجمعة الموافق 24 مارس/ آذار الجاري، وبدورها أعلنت خطوط الملكية الأردنية أنها ستمنع المسافرين من حمل أي أجهزة إلكترونية شملها الحظر داخل مقصورة الطائرة اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق 21 مارس/ آذار الجاري.ومن جانبها أصدرت الهيئة العامة للطيران المدني بالسعودية تعليماتها إلى شركات الطيران بتطبيق قرار الحظر الإلكتروني خلال 96 ساعة من موعد إخطارها بالقرار.على الجانب الآخر، شجب وزير النقل التركي، أحمد أرسلان، حسبما ذكرت شبكة رويترز العربية يوم الجمعة الموافق 24 مارس/ آذار الجاري، هذا القرار باعتباره خطوة ضارة للجميع بمن فيهم الدول التي أصدرته، كونه يحول دون متابعة الركاب لسير أعمالهم خلال فترة التحليق، وقد دافع أرسلان عن الإجراءات الأمنية التركية في سبيل تأمين المطارات، مؤكدًا أنها كافية، ولا توجد حاجة لمزيد من القيود غير الضرورية، وأن الحكومة التركية تتفاوض مع سلطات الطيران الدولي لتخفيف مثل هذه الشروط.


الحظر الإلكتروني الأمريكي بين هدف معلن وآخر خفي

في حين أرجعت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية قرار الحظر الإلكتروني إلى تقارير استخباراتية، مدعومة بالأدلة وذات مصداقية، تفيد أن التنظيمات الإرهابية تواصل استهداف طائرات نقل المسافرين، واعتماد طرق جديدة في إخفاء المتفجرات داخل الأجهزة الإلكترونية، برزت آراء أخرى تناقلتها صحف أجنبية، حيث جادلت صحف مثل فايننشال تايمز وواشنطن بوست عن عدم جدوى هذه الخطوة؛ إذ إنه ما الفائدة من وجود قنبلة مخبأة في جهاز إلكتروني داخل مقصورة الطيران أو وجودها في الأماكن المخصصة لأمتعة الركاب! وفي هذا الصدد، ذكرت المنظمة الدولية للطيران المدني التابعة للأمم المتحدة، في بيانها تعقيبًا على قرار الحظر الإلكتروني، أن الأبحاث التي أجرتها المنظمة فيما يتعلق بحوادث نقل المواد الخطرة على متن الطائرات أكدت أن الأجهزة التي تحتوي على بطاريات الليثيوم يمكن مجابهة مخاطرها بشكل أكثر سهولة حال كونها في مقصورة الطيران، وليس بوجودها داخل أمتعة المسافرين.ووفقًا لمقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، للكاتب الصحفي الأمريكي، إيشان ثارور، تحت عنوان «كيف يخدم حظر الطيران أجندة ترامب»، ارتأى الكاتب أن هذا القرار استهدف بالأساس ثلاث شركات، ألا وهي الخطوط الجوية القطرية، وطيران الاتحاد الإماراتية، وشركة طيران الإمارات، والتي كانت دائمًا محطًا لاتهامات نظيراتها الأمريكية بأنها تحظى بدعم هائل من حكوماتها، ما يخل بقواعد المنافسة العادلة. وما يدعم رأي ثارور هو استثناء هذه الدول من قرار الحظر البريطاني، وكذا عدم شمول القرار الأمريكي للخطوط الجوية الأمريكية كونها لا توفر رحلات مباشرة من تلك الدول المعنية بقرار الحظر، في حين نجد أن قرار الحظر البريطاني قد شمل الخطوط البريطانية؛ ومن أبرزها الخطوط الجوية البريطانية، توماس كوك، طومسون.جدير بالذكر أن قرار الحظر الإلكتروني يضيف أعباءً اقتصادية على كاهل شركات الطيران المعنية بتطبيق القرار تتمثل في النفقات المرتبطة بزيادة ساعات ونوعية المحتوى الترفيهي على متن الطائرات، وتوفير بث مباشر للقنوات التليفزيونية، وزيادة سرعة الإنترنت والخدمات الهاتفية، كما أنه سيكبّد هذه الشركات خسائر ناجمة عن تحوّل عملائها لاسيما رجال الأعمال إلى شركات أخرى لا يشملها قرار الحظر، لحاجة أمثال هؤلاء إلى متابعة سير أعمالهم أثناء رحلاتهم الجوية، فضلاً عن مطالبة العملاء بتعويضات حال تعرض أجهزتهم الإلكترونية للكسر أثناء شحنها مع الأمتعة أو تعويضات قد يطالب بها الصحفيون والباحثون حال تعرّض المعلومات السرية التي تتضمنها أجهزتهم للتسريب أو القرصنة.وختامًا، فإن قرار الحظر الإلكتروني لن يكون المحطة النهائية في سياسات إدارة ترامب العنصرية ضد الدول ذات الأغلبية المسلمة، وستشهد الأيام المقبلة مزيدًا من الإجراءات غير المبررة في ظل الضغوط المتزايدة لرجال الأعمال والشركات التجارية على الإدارة الأمريكية الجديدة.


المراجع




  1. How the new ‘electronics ban’ serves the Trump agenda

  2. U.S., U.K. ban cabin electronics in flights, but experts are asking — to what benefit?