لم يكن في مشهد التنافس المحموم بين مصر وقطر على رئاسة منظمة اليونسكو ما يثير الدهشة. هذا هو الظاهر فحسب. على المسرح، مصر ضمن التحالف العربي الذي يقاطع قطر، من الطبيعي أن تنافسها بشدة رغم القرابة العربية بينهما. لكن في الكواليس، هناك ما لم يروَ، أو ما روي لكنه نُسي أو طُوي، وهذا ما نفتش فيه.


نشرت صحيفة

صحيفة «الوطن» المصرية، في آذار/مارس 2016، نقلًا عن مصادر دبلوماسية عربية، تفاصيل عما قالت إنه اتفاق مصري/قطري ينص على أن تدعم قطر المصري أحمد أبو الغيط لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وألا تتقدم بمرشح منافس، مقابل أن تدعم مصر القطري حمد بن عبد العزيز الكوّاري لتولي رئاسة منظمة «اليونسكو».



التزمت قطر بجانبها من الاتفاق ولم تقدم مرشحًا منافسًا لـ«أبو الغيط»، لكن مصر أخلّت بالاتفاق وأعلنت ترشيح «مشيرة خطاب» لرئاسة «اليونسكو».

التزمت قطر بجانبها من الاتفاق ولم تقدم مرشحًا منافسًا لأبو الغيط على المنصب العربي الرفيع، لكن مصر أخلّت بالاتفاق و

أعلنت في تموز/يوليو 2016

على لسان رئيس الوزراء شريف إسماعيل، ترشيح الوزيرة والدبلوماسية السابقة مشيرة خطاب لرئاسة «اليونسكو».

لا توجد تصريحات رسمية تكشف سبب مخالفة مصر لاتفاقها مع قطر، لكن يبدو أن الإخلال بالاتفاق جاء في إطار الصراع المكتوم – حينها – بين دول خليجية ومصر من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، وأن القرار اتخذ بعد وعد من بعض الدول الخليجية بدعم مصر.

يدعم هذا التحليل قيام بعض الدول الخليجية بدعم حملة مشيرة خطاب للترشح لرئاسة «اليونسكو» ماليًا،

بحسب تصريحات

من مصادر دبلوماسية لموقع «مدى مصر»، رغم

إعلان دول

مجلس التعاون الخليجي، في آب/أغسطس 2016، أن القطري حمد بن عبد العزيز الكوراي هو مرشح المجلس للمنصب.


مصر الشعب ضد مصر الحكومة

قبل بداية التصويت في انتخابات رئاسة منظمة «اليونسكو»،

أعلنت 6 مؤسسات

حقوقية مصرية وعربية، في بيان جماعي، رفضها لترشح مشيرة خطاب للمنصب الأممي الرفيع؛ لأن «ممثلي الدول التي تعادي الحقوق الثقافية وحرية التعبير وحرية استخدام الإنترنت، وتفرض الرقابة على الصحف وتحبس عشرات الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامي، لا يجب أن يديروا اليونسكو».



أعلنت 6 مؤسسات حقوقية مصرية وعربية، في بيان جماعي، رفضها لترشح مشيرة خطاب للمنصب الأممي الرفيع.

كما اتهمت المنظمات الموقعة على البيان، مشيرة خطاب بـ «الصمت المتواطئ عن تعدي الحكومة المصرية السافر على حرية التعبير، وإغلاق سلسلة مكتبات الكرامة العامة – 6 مكتبات – بالأحياء الشعبية المصرية، والتي أنشأها الحقوقي المصري جمال عيد، بقيمة جائزة دولية حقوقية كان قد حصل عليها، وزارتها السفيرة المرشحة مشيرة خطاب وأبدت إعجابها الشديد بالفكرة والدور، فضلًا عن الهجوم على مكتبات ومؤسسات ثقافية أخرى مثل سلسلة مكتبات ألف ومكتبة البلد وجاليري تاون هاوس ومسرح روابط»، ورأت هذه المنظمات أن «الأمر يثير الشكوك حول صلاحية مرشحة مصرية لأن تكون مديرة لإحدى أهم المنظمات الدولية المعنية بالأساس بالدفاع عن حرية الفكر والتعبير».

وكتب المصور الصحفي المصري المعتقل محمود أبو زيد، الشهير بـ «شوكان»،

رسالة من محبسه

، تعليقًا على ترشيح مشيرة خطاب لرئاسة «اليونسكو»، سرد فيها شيئًا من معاناته في السجن بسبب قيامه بتأدية واجبه الصحفي، وقال: «تعجبت كثيرًا حين سمعت للمرة اﻷولى أن السفيرة مشيرة خطاب تم ترشيحها لمنصب رئاسة المنظمة. كيف يمكن لبلدي أن تتخذ هذه الخطوة بينما ينتهك النظام المصري ثقافة حرية التعبير والصحافة؟».

وحثّ «شوكان» الدول التي لها حق التصويت في «اليونسكو» على عدم دعم خطاب، قائلًا: «حتى هذه اللحظة، لا نعرف حتى تعليقات خطّاب حول مبادئ اليونسكو. يخبرنا هذا أن أفكارها ومعتقداتها تتماشى مع معركة النظام ضد حرية الصحافة تحت دعاوى دعم الحرب ضد اﻹرهاب. لهذا التزمت مشيرة خطاب الصمت. يُقال إنه يجب أن تتحلى بثقافة الحقوق والحريات كي تتمكن من منحها. مع هذا، لا يمتلك النظام المصري أو مشيرة خطاب أيًا من ثقافة حرية الصحافة وحرية التعبير كي يمنحاها للعالم عبر اليونسكو!. لهذا، يحتاج المجتمع الدولي إلى شخص يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير ويعرف حقًا قيمها لقيادة المنظمة».

لا يمكن الزعم أن رسالة «شوكان»، وموقف بعض المنظمات الحقوقية المصرية والعربية، قد أثّرا كثيرًا على حظوظ المرشحة المصرية في الوصول إلى المقعد الأممي الرفيع، لكن ذلك يعطي لمحة عن حالة التفكك في الجبهة الداخلية المصرية إبان انتخابات رئاسة «اليونسكو».


دعم مالي خليجي «غير سخي»

التصويت على اختيار مرشح جديد لرئاسة «اليونسكو»، يجري بين 58 دولة هي مجموع أعضاء مجلس إدارة المنظمة، ويتطلب فوز أي مرشح الحصول على 30 صوتًا على اﻷقل. وفي حال لم يتمكن أحد المرشحين من حسم المعركة، يجري التصويت في جولة أخرى، بحد أقصى أربع جولات تصويتية. وفي الجولة الخامسة، يفوز المرشح صاحب أعلى اﻷصوات دون اشتراط حد أدنى.

بدأت الجولة الأولى من التصويت يوم الإثنين، 9 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وتصدر مرشح قطر حمد الكواري السباق بـ 19 صوتًا، فيما حلت المرشحة الفرنسية أودريه أزولاي ثانية بـ 13 صوتًا، وجاءت مرشحة مصر مشيرة خطاب في المركز الثالث برصيد 11 صوتًا، وحلت مرشحة لبنان فيرا خوري لاكويه رابعًا بـ 6 أصوات، والصيني كيان تانج خامسًا بـ 5 أصوات، وحل كل من الأذربيجاني فولاد بلبل أوجلو والفيتنامي فام سان شاو في مؤخرة السباق بصوتين لكل منهما.

مثلت نتيجة الجولة الأولى صدمة لفريق خطاب وللخارجية المصرية، إذ كانت تقديراتهما تشير إلى أن خطاب ستتصدر السباق أو ستحل ثانية على أسوأ تقدير، وأن مرشح قطر سيحصد ما بين 10 إلى 14 صوتًا فقط، حسبما

صرّح مصدر

دبلوماسي مصري لـ «مدى مصر»، ويُرجع المصدر سبب تقدم قطر إلى استفادتها من ميزة التصويت السري لدفع دول أفريقية، أكدت لمصر التزامها بدعم «خطاب»، بالتصويت لصالح قطر.

ووفق نفس المصدر، فإن أحد أسباب تراجع خطّاب أمام الكواري، هو إنفاق قطر بسخاء شديد من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، فيما كان الدعم الخليجي لمرشحة مصر «غير كريم»، إذ تركز بالأساس على إسهامات متكررة في تمويل الحملة، بما في ذلك عدد من الرحلات الخارجية التي قامت بها «خطاب» للترويج لنفسها، ولكن الأمر «لم يصل إلى تقديم مبالغ مالية ضخمة إلى الدول المتأرجحة الموقف لضمان تصويتهم لصالح خطاب».

جاءت نتائج الجولة الثانية التي جرت الثلاثاء 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مقاربة لنتائج الجولة الأولى، إذ واصل الكواري تصدر النتائج بـ 20 صوتًا، تلته مرشحة فرنسا بـ 13 صوتًا، وحلت خطاب ثالثة بـ 12 صوتًا، ثم مرشحا الصين وفيتنام رابعًا بـ 5 أصوات لكل منهما، وحلت مرشحة لبنان أخيرًا بـ 3 أصوات.

انسحبت فيتنام في الجولة الثالثة، وكانت فرنسا المستفيد الأكبر من هذا الانسحاب، حيث حصدت 5 أصوت إضافية، وتصدرت السباق مع قطر التي خسرت صوتين وأصبحت تمتلك 18 صوتًا فقط. وجاءت مصر في المرتبة الثالثة بـ13 صوتًا، واحتفظت الصين بالمرتبة الرابعة بـ5 أصوات، وتذيلت لبنان السباق بـ4 أصوات.

وصلت مصر إلى تفاهم مع الصين في الجولة الرابعة، فحصدت أصواتها وحلت في المركز الثاني بالتساوي مع فرنسا برصيد 18 صوتًا لكل منهما، وعاد مرشح قطر إلى المقدمة بـ22 صوتًا، مستفيدًا فيما يبدو من أصوات مرشحة لبنان التي انسحبت هي الأخرى.

صار لِزامًا إجراء جولة إعادة بين مرشحتي مصر وفرنسا، لحسم من سيواجه مرشح قطر في الجولة الخامسة والنهائية، وأسفرت جولة الإعادة عن فوز المرشحة الفرنسيّة «أودري أزولاي» على مرشحة مصر «مشيرة خطاب»، إذ حازت «أزولاي»، بدعم قطري، على 31 صوتًا، مقابل 25 صوتًا لـ«خطاب».

أجريت الجولة النهائية بين مرشحي قطر وفرنسا، ونجحت الفرنسية في الحصول على المنصب بدعم مصري رسمي لها دفعها لحصد 30 صوتًا، فيما حصل مرشح قطر على 28 صوتًا فقط.


الخارجية تتبرأ من «الهتيف»



مثلت نتيجة الجولة الأولى صدمة لفريق خطاب وللخارجية المصرية، إذ كانت تقديراتهما تشير إلى أن خطاب ستتصدر السباق.

أثار الهتاف الغاضب؛ «تسقط قطر.. تحيا فرنسا»، الذي ردده أحد المصريين المتواجدين في مقر منظمة «اليونسكو» بباريس، الجمعة الماضي، عقب خسارة مشيرة خطاب، أمام أودريه أزولاي، جدلًا كبيرًا في مصر، إذ اعتقد كثيرون أنه أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية المصرية في «اليونسكو»، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد، نفى ذلك في تغريدة له على موقع «تويتر»، واتهم قناة الجزيرة بالكذب والتضليل:


اكتفت الخارجية المصرية بهذا التصريح المقتضب، ولم توضح كيف تمكن هذا الرجل من الدخول إلى مقر «اليونسكو» بمرافقة وفد مصر، إذ يحتاج الدخول إلى مقر المنظمة الأممية إلى تصريح، والتصريحات تنجز عبر الوفود الرسمية.

وأخيرًا، خرج صاحب الهتاف كاشفًا عن نفسه، ليتضح أنه مصري يدعى صلاح عبد الحميد، وأن الصحف المصرية

تنقل تصريحاته

باعتباره «مستشار اقتصاد سياسي بالاتحاد الأوروبي» و«مستشار بالمجلس الأوروبي المصري في بروكسل»، لكنّ بحثًا بسيطًا عبر «جوجل»، أظهر أنه لا توجد منظمة بهذا الاسم، وأن أقرب منظمة لهذا الاسم هي «مجلس الشراكة المصري الأوروبي»، ولم يظهر اسم صلاح عبد الحميد في أي بحث يخص المجلس.


وقال عبد الحميد

في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التلفزيونية، أنه «مواطن عادي وليس دبلوماسيًا، ودخل منظمة اليونسكو دون دعوة من البعثة المصرية، ولأنه كان يضع علم مصر على ملابسه اعتبرته قطر ضمن البعثة المصرية بعد أن هاجم مرشحهم».