يراقب العالم بنوعٍ من الاندهاش الانفراجة
المتزايدة التي تحدث في أزمة الهند وباكستان. التكهنات تدور حول أن وسيطًا جديدًا
دخل على خط الأزمة ويشجع الغريمين على التسامي على خلافاتهما والاتحاد معًا، ذلك
الوسيط هو الإمارات العربية المتحدة.

يبدو أن الإمارات تعلب

دور

حمامة السلام في تلك الأزمة العميقة، وسواء حُلت الأزمة أم لا فإن المؤكد أن الإمارات قد

أبرزت

نفسها كدولة كبرى  تستطيع الوساطة في أزمة شديدة القدم والتعقيد كأزمة الهند وباكستان. وبعد وساطة الإمارات أصدر الطرفان بيانًا مشتركًا في مارس/ آذار 2021، وهي في حد ذاتها خطوة نادرة الحدوث، واتفقا في البيان على احترام وقف إطلاق النار المتفق عليه منذ عام 2013.

اللافت أنه بعد 5 أيام فقط من البيان المشترك توجه الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية  الإمارات، إلى العاصمة الهندية ليتأكد من مضي الطرفين في تنفيذ الاتفاق.

ترفض الهند وباكستان الاعتراف بحدوث مفاوضات سلام من الأساس، وبالطبع لم يتحدثا عن دور الإمارات فيها. لكن نشرت وكالة بلومبرج بيانًا على لسان مسئول إماراتي، لم تذكر اسمه، بأن الإمارات لعبت دورًا محوريًّا في إنفاذ الطرفين لاتفاق عام 2013 بعد قرابة 8 أعوام من تجاهله.

باكستان تفسد المؤتمر الإسلامي


ليست تلك هي المرة الأولى التي

تتدخل

الإمارات فيها بين الهند وباكستان، بل تدخلت قبل ذلك عام 2019 لإطلاق سراح طيار هندي أسرته باكستان. لكن يبدو أن الضغط دائمًا لصالح الهند، ويتجلى ذلك في المناورات العسكرية المشتركة التي تحرص الإمارات على تنفيذها مع الهند دون باكستان.

كما ذكرت تقارير أن باكستان طلبت من الإمارات تمديد قرض بقيمة مليار دولار لمدة عام آخر، ما قد يعني أن الإمارات استغلت نفوذها للضغط على باكستان للقبول بالبيان المشترك، وربما بصفقات تنازلية أخرى. لأن الإمارات ألمحت أكثر من مرة أنها قلقة من قدرة باكستان على التلاعب، كما وصفته الإمارات، بمنظمة التعاون الإسلامي. إذ إنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أعلنت باكستان أنها نجحت في انتزاع دعم من المنظمة يدين قرار الهند الذي ألغت فيه الحكم شبه الذاتي لإقليم كشمير.

مسئول الإمارات في المنظمة قال إن على أعضاء المنظمة أن يظلوا على المسار الصحيح، وألا يسهلوا محاولات بعض الدول للدخول في حوارات منفصلة كقضية كشمير، وأن ذلك التشعب يُضعف المنظمة ويؤثر على جدول أعمالها.

بذلك التصريح تعلن الإمارات تحولها عن
سياساتها القديمة القائمة على حماية نفسها إلى سياسات جديدة أكثر انفتاحًا نحو
الخارح. فالإمارات باتت تطمح إلى التدخل في شئون كل دول الجوار من أجل المساهمة
بشكل مباشر في تشكيل الحكومات والسياسات

الخارجية

والداخلية للدول المحيطة.

الإمارات تطرد السعودية من إندونيسيا


بعيدًا عن الهند وباكستان ذهبت الإمارات إلى إندونيسيا، فعرض ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، على الرئيس الإندونيسي بناء مسجد ضخم في الأراضي الأندونيسية. بجانب المسجد تعهدت الإمارات بإنعاش خزائن إندونيسيا وضخ استثمارات بقيمة 400 مليار دولار، وعلى رأس تلك الاستثمارات بناء عاصمة إندونيسية جديدة بقيمة 34 مليار دولار.

ووقع ابن زايد في زيارته لإندونيسيا أكثر من

12 ميثاق

تعاون، قيمتها 9.7 مليار دولار. وفي مارس/ آذار 2021 أعلنت الإمارات نيتها ضخ 10 مليارات دولار في الصندوق السيادي الإندونيسي لاستثمارها في الزراعة والسياحة والبنية التحتية. وبعد تلك المنحة الإماراتية أعلنت جاكرتا تعيين محمد بن زايد شخصيًّا لرئاسة اللجنة المشرفة على إنشاء العاصمة الإندونيسية الجديدة.

يأتي ذلك ضمن مخطط إماراتي واسع الطموح

للتغلغل

في مفاصل العديد من الدول باستغلال وضعها المالي الحرج مع ثراء الإمارات الهائل. اللافت أن ذلك التغلغل الإماراتي يتزامن مع انسحاب تدريجي بطيء من السعودية عقب خلافات بين السعودية وإندونيسيا بسبب العديد من نقاط الخلاف، وتفضيل السعودية للاستثمار الكامل مع الصين بدلًا من إندونيسيا، فيبدو أن الإمارات تُقدم نفسها بديلًا للسعودية.

لكن علاقة الإمارات بإندونيسيا ستكون أقوى، لأنه

بجانب

العلاقات الدبلوماسية الرسمية هناك علاقات شخصية قوية تجمع ابن زايد مع جوكو ويدويدو، الرئيس الإندونيسي. يتجلى ذلك في إصرار ابن زايد في زيارته منذ 5 سنوات على تناول الغداء مع جوكو في مكان مفتوح أمام الجميع، بدلًا من الغداء الرسمي المغلق.

وجدير بالذكر أن الاثنين يجمعهما ضيق حقيقي بالإسلام السياسي ونفوذه المتنامي، ويسعيان بمنتهى الجدية إلى تشذيب مخالب أصحاب مشاريع الإسلام السياسي. ويبدو أن جاكرتا وجدت في الإمارات رفيقًا غنيًّا يغنيها عن الارتماء في أحضان الصين ذات الأجندة السياسية الواضحة، خصوصًا مع تجاهل الولايات المتحدة لجنوب شرق آسيا، وعدم اكتراثها بإغراء بلدانه بعيدًا عن الصين.

الهند حليف الإمارات المثالي


لكن رغم النفوذ في إندونيسيا فإن ابن زايد يفضل التعامل مع ناريندا مودي أكثر من غيره، لهذا منحه وسام زايد، أرفع وسام إماراتي. كما أن السجلات التجارية بين البلدين تُظهر صداقةً من طراز فريد، فقد

ارتفع

التبادل التجاري من 180 مليون دولار سنويًّا إلى 57 مليار دولار سنويًّا، لتكون الإمارات بذلك ثالث أكبر شريك تجاري للهند،

ويرغب

الطرفان في وصول الرقم إلى 100 مليار دولار سنويًّا لتكون الإمارات الشريك الأول قبل الصين والولايات المتحدة.

كما أن 30% من سكان الإمارات هم

جالية

هندية، يبلغ عددهم 3.4 مليون فرد. يُحول هؤلاء الهنود قرابة 14 مليار دولار سنويًّا إلى بلدهم، لهذا ترغب الهند في بقائهم في الإمارات، ولا تريد الإمارات إغضابهم، لذا بنت لهم معبدًا بوذيًّا على مساحة 55 ألف متر مكعب.

بينما النقيض تجاه باكستان، فالإمارات تكن لباكستان عداءً قويًّا، لكن رغم ذلك فإنه ليس من مصلحة الإمارات أن تكتسب عدوًّا على بُعد كيلومترات منها، بل تريد أن تُهادن كل من ليست مضطرة لعدائه، لذا

رسمت

الإمارات خطة سلام طويلة الأمد ودائمة بين الجارتين النوويتين. وصرَّح مسئول إماراتي أن الخطوة التالية ستكون بإعادة الطرفين سفرائهما للعاصمتين، والخطوة اللاحقة ستكون إيجاد حلول للتجارة بين البلدين، أما الخطوة الأخيرة والأشد تعقيدًا فستكون الوصول لحل بخصوص إقليم كشمير الذي كان سببًا في 3 حروب بين البلدين.

إذن، الإمارات لا تتعامل مع دول شرق آسيا باعتبارها دولًا منفصلة، بل تتخذ منها الإمارات

بوابةً

لدخول المجال العالمي كدولة صاحبة تأثير، ولها حلفاء يمكن حشدهم ضد من يحاول المساس بمصالح الإمارات، أو لصالح من تصالحه الإمارات. كذلك تدرك الدول الآسيوية أن الإمارات نافذتهم على العالم الأول، عبر الاستثمارات الإماراتية أو ببساطة عبر علاقات الإمارات كدولة، أو العلاقات الشخصية لابن زايد، كرجل قوي وعالمي.

والأهم أن الإمارات تحاول جاهدة إزاحة قطر من قلب آسيا وتهميش دورها، خاصة أن قطر هي أكبر مورد للغاز الطبيعي المُسال للهند، ومن أكبر الدول التي توفره لباكستان، وبالطبع تقدم الإمارات نفسها كصانعة سلام لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.