أعلنت الحكومة المصرية في التاسع من إبريل 2016 أن جزيرتي تيران وصنافير الموجودتين في البحر الأحمر تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية، وذلك بعد يوم من توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والإعلان عن إنشاء جسر بين البلدين يمر عبر الجزيرتين، خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التي تضمنت توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين.

وقد جاء هذا

الإعلان

مصاحبًا للإعلان عن مجموعة من المساعدات والاستثمارات السعودية في البلاد، فيما يشبه تفريطًا من الجانب المصري في جزيرتين واقعتين تحت سيطرته الفعلية منذ خمسينات القرن الماضي مقابل حزمة من المساعدات المالية.

يثير هذا التطور العديد من الإشكاليات يأتي على رأسها الغياب التام للشفافية في الجانبين المصري والسعودي.

ويثير هذا التطور العديد من الإشكاليات يأتي على رأسها الغياب التام للشفافية في الجانبين المصري والسعودي، فوفقًا لبيان الحكومة المصرية استمرت المشاورات مع الجانب السعودي أكثر من ستة أعوام، انعقدت خلالها 11 جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، وترتب عليها في نهاية المطاف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين التي أعلن عنها السبت الماضي. تلك المشاورات لم تكن علنية، وفوجئ الجميع بتلك الاتفاقية بين ليلة وضحاها.

أحيت تلك الاتفاقية كذلك موضوع «التنازل بمقابل كسند لاكتساب السيادة على الإقليم» في سابقة هي الأولى من نوعها في سياسة مصر الخارجية، ولكنها ليست كذلك في سياسة المملكة العربية السعودية، التي استخدمت أسلوبًا مماثلًا لاكتساب السيادة على أراضي ممتدة في حدودها مع اليمن من ضمنها جيزان والطائف وأجزاء من إقليم عسير، حين تنازلت اليمن عن اتفاقية الطائف التي كانت تنصّ على استئجار وليس امتلاك السعودية لتلك الأراضي، وحدث هذا كذلك وسط أزمة اقتصادية طاحنة عصفت باليمن، وتضمن في المقابل مساعدات مالية طائلة من المملكة لليمن.

تعامل مصر مع تيران وصنافير مختلف تمامًا عن تعاملها مع باقي خلافاتها الحدودية.

رغم تأكيد الحكومة المصرية أن «العاهل السعودي الراحل الملك عبد العزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين»، وهو ما استجابت له وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ، إلا أن هذا الأسلوب لتسوية الخلاف الحدودي الممتد منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، مختلف تمامًا عن تعامل مصر مع باقي خلافاتها الحدودية مع جيرانها، إذ لا تزال متمسكة بسيادتها على مثلث حلايب وشلاتين في أقصى الجنوب الشرقي لمصر، رغم مزاعم السودان المستمرة بأحقيتها في هذا الإقليم، كما تمكنت من استعادة سيادتها على طابا بعد أن رفضت إسرائيل الانسحاب منها ضمن مراحل الانسحاب الأخيرة عام 1981 عبر قضية التحكيم الشهيرة أمام محكمة العدل الدولية والتي استمرت حتى سبتمبر 1988.


تيران وصنافير مقابل حلايب وشلاتين

رغم استمرار الخرطوم في الحديث عن أحقّيتها بمثلث حلايب وشلاتين حتى تاريخه، إلا أن الحكومة المصرية ترفض الاعتراف بهذا الأمر، وتؤكد مرارًا سيادة مصر الكاملة على هذا الإقليم. مما لا شك فيه أن وضع حلايب وشلاتين يختلف عن الجزيرتين كليًا؛ فهي منطقة مأهولة بالسكان تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين، كما يتمتع سكانها بحرية التنقل على الحدود المصرية السودانية.

تعود أزمة حلايب وشلاتين إلى خمسينات القرن الماضي، تحديدًا إلى فبراير عام 1958.

تعود أزمة حلايب وشلاتين كذلك إلى خمسينات القرن الماضي، تحديدًا إلى فبراير عام 1958، حين تم إدراج منطقة حلايب المصرية ضمن الدوائر الانتخابية للانتخابات البرلمانية السودانية آنذاك. ورغم كون تلك المناطق حينها تحت إدارة السودان، إلا أن مصر اعترضت على هذا التطور باعتباره مخالفًا لاتفاقية 1899 بشأن الحدود المشتركة بين مصر والسودان، وطالبت بحقها في هذه المناطق. هذا المثلث الحدودي بحكم اتفاقية ترسيم الحدود السابق ذكرها، وبموجب القرار البريطاني الذي أعقبها بعامين خاضع للإدارة السودانية لكن تحت السيادة المصرية.

في عام 1990 أصدرت مصر قرارًا جمهوريًا بترسيم حدودها تضمن اعتبار حلايب وشلاتين أراضٍ مصرية، ثم تبع هذا قيام القوات المصرية عام 1992 بالتوغل في منطقة حلايب رغم شكوى السودان حينها لمجلس الأمن. وأمام قلة حيلة الجانب السوداني حينها خفت الموضوع وقبلت الخرطوم بالأمر الواقع باستثناء بعض التصريحات بين الحين والآخر بأحقية السودان في تلك المنطقة، وهو ما يقابله تصريحات مصرية مضادة. آخر التطورات في تلك القضية كان اعتبار حلايب دائرة انتخابية مصرية بشكل رسمي وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية فيها عقب ثورة يناير 2011، وحتى يومنا هذا.

التعامل المصري مع قضية الجزيرتين مخالف تمامًا لنهجها في التعامل مع حلايب وشلاتين، فبالرغم من خفوت المطالبات السعودية باستعادة الجزيرتين على عكس شدة نظيراتها السودانية فيما يتعلق بحلايب وشلاتين، دخلت مصر في مفاوضات مع المملكة منذ ستة أعوام لكنها ترفض الدخول في مفاوضات مشابهة مع السودان فيما يتعلق بحلايب وشلاتين، بل تؤكد بما لا يدع مجاًلا للشك سيادتها الكاملة عليهما.

هذا لا يترك مجالًا إلا للتشكيك فيما وراء اتفاقية ترسيم الحدود الجديدة والتي تنازلت فيها مصر عن الجزيرتين لصالح المملكة السعودية رغم أهميتهما الإستراتيجية، في مقابل حزمة ضخمة من الاستثمارات والمساعدات فيما يشبه صفقة بيع لتلك الجزيرتين وليس إعادة ترسيم الحدود لرد الحق لأصله كما يظهر من التصريحات الرسمية للجانبين.


الأهمية الإستراتيجية

جزيرتا تيران وصنافير تقعان عند مدخل خليج العقبة بين الجهة المصرية والسعودية، وهي جزر في الأساس غير مأهولة، وتصنع الجزر ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، تجعل من المتحكم فيهما قادرًا على غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة، إذا احتاج هذا، وهو ما أقدمت مصر على فعله في مواجهة السفن الإسرائيلية مرتين قبل هذا في عامي 1955 و 1967.

تيران وصنافير جزء من «المنطقة ج» المحددة في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ولا تتواجد فيها سوى الشرطة المدنية.

الجزيرتان كذلك جزء من «المنطقة ج» المحددة في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، بحيث لا تتواجد فيها سوى الشرطة المدنية، كما أنها تعتبر مكانًا لتواجد القوات الدولية لحفظ السلام، ولكن هذا لا يعني أن مصر لا تمارس سيادتها على الجزيرة، فهي تفعل ذلك دون أن تخل بالتزماتها. ورغم أن ااتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 عززت من الحق في حرية الملاحة في المضائق أمام كافة السفن، إلا أن أوقات الحرب تبيح إجراءات استثنائية في مواجهة سفن العدو، يمكن عبرها غلق الملاحة أمام تلك السفن دون مسئولية قانونية دولية على عاتق الدولة المتحكمة في المضيق.


مستقبل الجزيرتين في ظل الدستور والسياسة المصرية

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجديدة مع السعودية تتركنا أمام احتمالين لا ثالث لهما؛ الأول هو استحالة تطبيق تلك الاتفاقية في حالة ثبوت مصرية تلك الجزيرتين عبر الدعاوى القضائية التي أعلن العديد من النشطاء السياسيين والمحامين رفعها أمام القضاء الإداري، إذ تحظر المادة الأولى من الدستور المصري التنازل عن أي جزء من الأراضي المصرية.

الاحتمال الثاني هو ألا تصل تلك الدعاوى لإثبات مصرية الجزيرتين وبالتالي يجوز التنازل عن ممارسة السيادة عليهما للملكة العربية السعودية عبر الاتفاقية الجديدة لكن بعد أن يتم التصديق عليها عقب استفتاء شعبي يوافق عليها، وفقًا للمادة 151 من الدستور المصري.

تكشف الإتفاقية عن حالة الاستقطاب الشديدة التي يعيشها المجتمع المصري بين مؤيدي السيسي ومعارضيه.

بجانب التنظيم القانوني للتصديق على تلك الاتفاقية، تكشف الاتفاقية عن حالة الاستقطاب الشديدة التي يعيشها المجتمع المصري في الفترة الحالية بين مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعارضيه، إذ فتحت الاتفاقية المجال أمام الاشتباك بين أنصار الفريقين سواء في الواقع الافتراضي أو الحقيقي، فيحاول معارضو الرئيس التدليل على جسامة تلك الاتفاقية وشبهة بيع مصر للجزيرتين للمملكة مقابل مساعدات واستثمارات سعودية، بينما لا يألو مؤيدو الرئيس جهدًا في محاولة إثبات سعودية الجزيرتين وأن ما حدث لا يتعدى رد الحق لأهله.

يبقى أخيرًا أن نبين أن ترسيم الحدود البحرية الجديد سيترتب عليه تغير المساحات البحرية المختلفة الخاصة بكل دولة بما في ذلك المياه الإقليمية التي تمارس عليها الدولة سيادتها الكاملة باستثناء حق المرور البريء وكذلك المنطقة الاقتصادية الخالصة والتي تحتكر دولة الساحل استغلال الموارد الاقتصادية الموجودة فيها. وتظهر أهمية ذلك في ظل الاكتشافات المتتالية للغاز والنفط في البحر الأحمر وخليج العقبة.


المراجع




  1. عبد الباري عطوان، إستعادة السعودية لجزيرتي “صنافير” و “تيران” جاءت بعد خطة محكمة.. وتوقيت محسوب، رأي اليوم، 11 أبريل 2015،