أنا أعرف أن الاغلبية من المصريين مسلمين، وأعرف أن هناك صحابة كانوا من أصحاب البشرة السمراء، وأن الإسلام نهى عن التمييز بناء على اللون لكن لا أعلم لماذا لا يلتزم المصريون بتعليمات دينهم.





سوداني مقيم بمصر

على بعض خطوات من محطة مترو جمال عبد الناصر، وقف د. جونسون ليلتقط أنفاسه من معركة خاضها للتو، وخرج منها دون خسائر تذكر، فهو اعتاد خوض تلك المعركة كل يوم منذ أن وطئت قدمه أرض المحروسة هربا من معارك محتدمة في وطنه الأم السودان، ليجد معارك العنصرية ضد بشرته السمراء في وطنه الثاني مصر، ليمر عليه اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري الموافق 21 مارس/ آذار كيوم آخر من أيام التمييز العنصري ضده.


1. جونسون: الشجار أو الصمت كلاهما مر

جونسون هو مواطن يحمل جنسية جنوب السودان، وشهادة الدكتوراة في علم الاجتماع، ترك بلاده قبل أن يكون لدولته وجود في يوليو / تموز 2011، ليعيش بحي عين شمس منذ 2008، ورغم طول المدة التي عاشها بالقاهرة فإنه لم يستطع أن يكون جزءا من الدولة التى استطاعت شعوب كثيرة الذوبان فيها.

ويقول جونسون لـ «إضاءات»:

لا يوجد يوم يمر دون أن أسمع كلمات مثل زولة أو سمارة أو عثمان، في البداية لم أفهم سوى كلمة زولة وتعني رجل، ولم أفهم أنها تعني إهانة أو تحقير لي، خاصة أن اسم عثمان هو اسم صحابي يتم تقديره من قبل المسلمين، حتى فهمت أن الكلمة مرادف لوظيفة البواب أو حارس العقار، وهي وظيفة محتقرة لدى المصريين.

وأضاف جونسون: «أصحاب البشرة السمراء أمامهم خياران أمام العنصرية اللفظية التي تمارس ضدهم، الأول السكوت، وهو خيار يمارسه كثير منا، خاصة القدامى، ولكنه يضع الكثير من الضغط العصبي علينا، الثاني هو الاشتباك مع الساخرين، وهو خيار قد يودي بحياة البعض».

ما قاله جونسون يتوافق مع تقرير

نشره

موقع «أتلانتا بلاك ستار»، الأمريكي في أغسطس / آب 2014، كشف عن وجود عداء لأصحاب البشرة السمراء في 6 دول عربية، هي: المغرب، ليبيا، مصر، الجزائر، موريتانيا، تونس.

وقال التقرير فيما يخص مصر إن المصريين السود والمهاجرين من أفريقيا «يواجهون العنصرية والتمييز بشكل يومي»، وأضاف الموقع «أنهم يعانون من الاعتداءات اليومية على أيدي المصريين، حيث يتم قذفهم بالحجارة، والبصق على وجوههم في الشوارع، ويتعرضون للتحرش اللفظي ويطلق عليهم سمارة».

وتابع الموقع أنهم يتعرضون أيضا «لاعتداءات جسدية في الشوارع من قبل السكان، وحتى من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، كما يتم توقيف السود لفحص الهوية بشكل عشوائي على أساس لون البشرة، ويواجهون عمليات الاعتقال التعسفي».


2. منصورة: التحرش بنظرة عنصرية

هكذا تلخص السيدة الثلاثينية «منصورة» مأساتها في شوارع القاهرة كما تسميها هي

تقول منصورة «أنا سيدة غير محجبة وهذا كفيل بأن يجعل يومي عبارة عن عدد من المعارك الصغيرة مع المتحرشين، لكن المأساة تكمن في أنني سيدة سوداء غير محجبة، فهذا يعطي لحاولات التحرش بي مذاقا عنصريا».

وتضيف: «أسكن بحي الدقي، وفي طريقي اليومي لمحطة المترو أمر على عدد من مدارس البنين، في مرة من المرات وجدت نفسي محاطة بنحو عشرة صبية، لا يزيد عمر الواحد فيهم عن 11 عاما، يهتفون جميعهم «شيكولاتة» ويقفزون لجذب شعري دون أن ينهرهم أي شخص، بل وقف الكثيرون يضحكون على ما يجري إلا سيدة واحدة بدا أنها معلمة في المدرسة، لأن الاطفال استجابوا لما قالته وتركوني فورا».

كما تروي منصورة واقعة أخرى حدثت لها في المترو قائلة:

كنت في عربة المترو المخصصة للسيدات، ولأن بشرتي داكنة وغير محجبة يعتقد الناس أنني لا أتكلم العربية، فوجدت الراكبة التي بجواري تقول لابنها «لو مسمعتش (لم تسمع) كلامي، العو ده (العفريت) هتطلع (تظهر) لك بالليل» وهي تشير إشارة خفية لي، حينها لم أتمالك نفسي وتحدثت بالعربية ونهرتها عن ذلك، فتشاجرت معي قائلة «مبقاش (لم يبق) إلا العبيد يتكلموا».


3. «جبرائيل توت»: عنصرية تصل إلى القتل

في فبراير / شباط 2017

كان

المدرس المتطوع بالمركز التعليمي للأطفال اللاجئين بعين شمس «جبرائيل توت» على موعد مع الموت، في واقعة قتل عنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء.

وطبقا لأقوال شهود عيان تناقلتها الصحف المصرية، فإن القاتل وهو صاحب محل بشارع أحمد عصمت بضاحية عين شمس بالعاصمة المصرية القاهرة، اعتاد أن يسب الأطفال اللاجئين ويسخر منهم باستخدام ألفاظ «بكار» و«بلاك» وغيرها.

كما اعتدى على القس «ماركو» مدير المركز في نفس يوم الجريمة واشتبك مع الضحية جبرائيل الذي حاول تهدئته، وكان السبب كما قال القاتل: «أن الأطفال يثيرون الضجيج أمام محله»، إلا أنهم استطاعوا تهدئته ليرحل من المدرسة دون خسائر.

ولم تنته القصة على ذلك، فبعد انتهاء اليوم الدراسي بالمركز تربص الجاني بالعاملين بالمركز، وحاول الاعتداء على أحد العمال إلا أنه استطاع الفرار منه، ليجد ضحيته التالية جبرائيل الذي خرج للتو من المركز ويعتدي عليه بعصا حديدية أسفرت عن وفاته.


4. مصطفى محمود: هنا قُتِل اللاجئون

في 30 ديسمبر / كانون الاول 2005، كان ما يقرب من 3500 لاجئ سوداني معتصمين منذ ثلاثة أشهر، بالقرب من مكاتب المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، احتجاجا على ما وصفوه بالمعاملة السيئة، منذ فرارهم من الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات في السودان، إلا أن هذه الليلة كانت مختلفة عن الليالي الـ90 التي مرت، حيث فوجئ المعتصمون بقوات الأمن

تخلي

الاعتصام بالقوة مما أسفر عن مقتل 27 لاجئا بينهم أطفال.

الشهادات التي حملها الناجون قالت إن الأمن استخدم العنف المفرط، كما أن عددا من القيادات الأمنية المشرفة على عملية الإخلاء سخرت منهم ومن لون بشرتهم، وهو الأمر الذي كان مستمرا منذ بداية الاعتصام، مشيرين إلى أن الأمن نشر شائعة مفادها أن المعتصمين حاملون لمرض الإيدز.

واقعة فض الاعتصام تسببت في الكثير من الغضب الحقوقي، إلا أن هذا الغضب لم يكن له قيمة لدى سلطات التحقيق، حيث

أغلقت

النيابة المصرية التحقيق في القضية بحجة «عدم وجود شبهة جنائية» في ديسمبر / كانون الأول 2007.


5. في صعيد مصر: العبودية قائمة حتى الآن

أن تكوني امرأة في مصر فهذه أزمة، ولكن أن تكوني امرأة سوداء في مصر فهي المأساة.

كشف

تقرير

بثه «تليفزيون العربي» في أبريل / نيسان 2015 عن استمرار العبودية ضد الأسر التي كانت جزءا من الرقيق قبيل إلغائه. ونقل التقرير عن عائلات صعيدية أنها مازالت تمتلك عبيدا حتى الآن، في نوع آخر من التمييز ضد أصحاب البشرة السمراء.

وقال التقرير:

إنه رغم أن العبودية قد ألغيت من مصر في القرن الماضي، فإن العائلات مازالت تحتفظ بأسر كاملة من نسل الرقيق الذي امتلكه أجدادهم.

وأوضح التقرير أن أبناء أسر العبيد يتركون أسرهم هرباً من العيش كعبيد ويرحلون للقاهرة.

يرى الكاتب «حجاج أدول» في مقاله «ماذا لو كانت ليلى علوي سوداء» المكتوب عام 1997، أن تجارة الرقيق التي شهدها العالم في القرن التاسع عشر، التي كان قوامها أبناء أفريقيا، هي ما ربط في مخيلتنا أن السواد مرتبط بالعبودية، ولذلك تعتبر كلمة أسود مسبة، وتسبب في حالة التعالي العربي بصورة عامة والمصري بصورة خاصة ضد السود.

وأضاف أدول أن العرب عموما، والمصريين بصورة خاصة، لا يعترفون بأن الأسود يمكن أن يكون جميلا، وأرجع ذلك لفترات الاحتلال التركي والأجنبي الذي رسخ مفاهيم الجمال الأوروبية.

وحتى تنتهي العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في مصر، سيبقى جونسون يحارب في معاركه اليومية، ليهرب من خيار تحمل السخرية والسكوت أو الاشتباك والموت، وتبقى منصورة تكافح مأساة كونها امرأة ذات بشرة سمراء، ويبقى اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري من شهر مارس مجرد يوم عادي.


المراجع




  1. هل المصريون شعب عنصري ضد السود ؟

  2. ماذا لو كانت ليلى علوى سوداء؟!