من بين كل 100 خبر رياضي خلال الفترة من بين 2011 وحتى يناير/كانون الثاني 2018، كان من الممكن أن تجد خبرًا واحدًا أو أقل يتحدث عن بطولة جديدة تُطبخ على نار هادئة تُسمى بـ«دوري الأمم الأوروبية». وبعد حوالي سبع سنوات من البحث والمراجعة واستقبال الشكاوى والمقترحات، تمكن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من إطلاق النسخة الأولى من بطولتهم الحديثة في سبتمبر/أيلول 2018 كما كان مخططًا لها.

خلال تلك الفترة لم يُلقِ أحد المتابعين بالًا لتلك الخطة التي تُدبر في الخفاء خلف ستار الغرف المغلقة من مباني الـ«يويفا». لكن، وبين ليلة وضحاها تقريبًا، تفاجأ الجميع بمواجهات غريبة بين ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا وغيرهم. من تلك النقطة بدأت عمليات من البحث لا تنتهي حول ماهية تلك المباريات، وتحت أي لواء، وإلى أي شيء يسعون جميعهم. وفي الواقع، يبدو أن الأغلبية لم تفهم بعد كل هذا ما هو دوري الأمم الأوروبية الذي يتحدث عنه الجميع، بالرغم من جذب كافة الأنظار تجاه أول توقف دولي هذا الموسم في صورة غير معتادة، للاتحاد الأوروبي السبق في هذا.



السر يكمن في التعقيد

بعد كل هذا العناء من البحث تم تدشين نظام معقد لبطولة مستحدثة بالكامل. يمكن القول بأن سبب الانتشار الأكبر لها هو

تصريح

المدافع الإنجليزي «هاري ماجوير» بأنه لم يفهم ولا أحد من زملائه في الفريق النظام الذي سيخوضون على إثره منافسات هذه المسابقة بالرغم من السعي والشرح الذي قام به المدير الفني وممثلو الاتحاد الإنجليزي. وبالرغم من نجاح نسبة ليست بالضئيلة من المحللين والكتاب في فهم وقائع القرعة ونظام اللعب ومن ثم شرحه للجماهير، إلا أن تصريح ماجوير كان مُثلجًا لصدور العامة ومطمئنًا لجميعهم بأن قواهم العقلية لم تُصب بأذى بعد.

نظام البطولة المعقد

الواضح من الوهلة الأولى في النظام هو أن 55 فريقًا لمنتخبات هم أعضاء الاتحاد الأوروبي للعبة سيتشاركون جميعًا في بطولة واحدة مكونة من 4 درجات، بتخيل يمكن تبسيطه بوضع أوروبا بالكامل كدولة واحدة وكل تلك الدول بداخلها إنما هي مجرد فرق لمدن أو أحياء، من هذا المنطلق سيتم الاعتماد على تصنيف تلك الفرق الصادر من الاتحاد المحلي للقارة من أجل تقسيمهم إلى 4 درجات تنافسية؛ درجة أولى ممتازة A، ثم ثانية B، ثم انخفاض في المستوى إلى الدرجة C، وصولًا إلى الدرجة التي تشبه درجات الهواة D.

دوري الأمم الأوروبية، تصفيات اليورو، الإتحاد الأوروبي، اللقاءات الودية،

نظام اللعب في دوري الأمم الأوروبية والصعود والهبوط من وإلى كل درجة

ستلعب جميع الفرق ضمن كل مجموعة ضد بعضها البعض مباريات بنظام الذهاب والعودة، في النهاية سيتم تحديد مراكز المجموعة وفقًا لعدد النقاط ثم المواجهات المباشرة وأخيرًا عدد الأهداف. المحصلة النهائية ستكون متصدر ومتذيل لكل مجموعة، هنا تبدأ عملية هبوط وصعود من وإلى الدرجات العليا والدنيا على حد سواء. فمثلًا الـ4 منتخبات متذيلي التصنيف B سيشاركون في النسخة الجديدة عام 2021 ضمن تصنيف C، في حين سيكون الأوائل من تصنيف C في تصنيف B من نفس العام.

في حين أن الأوائل الأربعة من التصنيف الأول A سيكون لديهم فرصة للفوز بلقب البطولة بالكامل عن طريق مباراتي نصف نهائي ونهائي تحدد عن طريق القرعة بعد انتهاء كل مباريات المجموعات وفي إحدى الدول المحايدة.


طريق الصعود إلى يورو 2020

حتى هذه النقطة يبدو كل شيء على ما يرام، لكن الأمر إلى هنا كان لا يعدو كونه محاولة لجذب الأنظار إلى مباريات ودية جديدة، بالتالي كان لابد من وضع جانب من التنافسية عن طريق منح كل تصنيف من بين هؤلاء فرصة واحدة على الأقل للصعود إلى البطولة الحلم «يورو 2020»، بالأحرى ستكون فرصة ثانية لكل الفرق التي فشلت في الصعود عن طريق التصفيات التقليدية للبطولة.

أظن أن نظام التأهل من دوري الأمم الأوروبية إلى كأس الأمم الأوروبية هو محور الجدل الحقيقي والجانب الصعب من الشرح، فمثلًا حاول موقع «ستاتيستا» المختص بعمل أبحاث على الجماهير ومن خلالهم، أن

يبحث

في شأن فائدة البطولة الجديدة في زيادة متعة تصفيات اليورو وهل هي مفيدة أم لا، 17% أجابوا بنعم و59% أشاروا بلا والمفاجأة كانت في 24% أجابوا بلا نعلم!

فرص وطرق التأهل من دوري الأمم الأوروبية إلى كأس الأمم الأوروبية

4 مجموعات في كل تصنيف لكل منهم متصدر واحد، يعني 16 متصدرًا، سيتم ترتيب هؤلاء الـ16 الأوائل وفقًا لنقاطهم من أجل تنظيم ملحق جديد أو فرصة جديدة للصعودة لليورو. في حال نجح أحدهم في الوصول إلى اليورو عن طريق التصفيات العادية سيتم استثناؤه ووضع وصيفه بدلًا منه وإعادة الترتيب وفقًا للنقط مرة أخرى، ستتم تلك العملية حتى الحصول على 16 منتخبًا لم يتمكنوا من الصعود إلى منافسات كأس الأمم الأوروبية، وإعطائهم فرصة جديدة عن طريق قرعة تقود إلى ملحق بنظام نصف النهائي والنهائي، بشرط أن يصل منتخب واحد من كل تصنيف إلى اليورو بعد كل ذلك. بهكذا يكون هناك 4 بطاقات من هذه البطولة تضاف إلى الــ20 التي صعدت بالتصفيات.


في قلبك أو في عقلك، في الحالتين ناجح


نشر

الكاتب الإنجليزي «ريشتارد ويليامز» مقالًا صحفيًا في عام 2014 ضمن صحيفة «ذا جارديان» يتحدث فيه عن انخفاض قيمة المباريات الودية ومن ثم الانتماء للمنتخبات إلا في خلال المحافل الرسمية فقط. ولأن تلك المحافل لا تتواجد بكثرة فإن هناك مصطلحًا بدأ يسيطر على الأجواء داخل المملكة البريطانية وهو: «مباريات ودية بلا معنى – Meaningless friendly matches».

قبل تلك الفترة كان الغرض من حضور المباريات هو مشاهدة النجوم الكبار لأول مرة. من بعد ذلك،

يؤكد

الكاتب أننا بدأنا نشاهد أغلب النجوم في الدوري الإنجليزي المحلي، وعلى الأقل هناك نجم واحد كبير داخل كل دوري، ومن لا يمكن رؤيتهم في الدوريات المحلية مؤكد سيتواجدون ذات مرة خلال المنافسات الأوروبية للأندية. الأهم أنه لا دافع أبدًا لخسارة أموال مقابل دخول مباراة يعاملها المدرب واللاعبون والعمال بغرف الملابس على أنها مجرد تدريب كبير مُذاع للعامة ومتاح للجميع.


الهدف

الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي وقت تنظيمه للبطولة هو تغيير رؤية الجميع تجاه مباريات المنتخبات التي أخذت في الاندثار مؤخرًا، كان في ذلك عدة تحديات عليهم خوضها، الأمور مبدئيًا تُشير إلى نجاحهم في أغلبها.

1. تغيير رؤية اللاعبين والمدربين

ماديًا، وهو بالقطع العامل الأهم، فإن كل المنتخبات التي ستشارك خلال هذه البطولة ستحصل على أموال نظير مجرد تواجدها. الحديث يدور عن ضخ حوالي 76 مليون يورو كمقابل للمشاركة، بحيث تحصل فرق التصنيف الأول على 1.5 مليون يورو والتصنيف الثاني 1 مليون يورو والثالت 750 ألف يورو والأخير 500 ألف يورو. في حين سيحصل الفائزون بالمراكز الأربعة الأولى، بعد لعب النهائي ونصف النهائي، على جوائز قدرها 12 مليون يورو، بواقع 4.5 مليون للأول، 3.5 مليون للوصيف، 2.5 لصاحب المركز الثالث و1.5 مليون إضافية للمركز الرابع.

أما نفسيًا، فكان لنظام الهبوط والصعود العامل الأكبر في ذلك. تظل فكرة الهبوط فكرة مهينة لأي لاعب مهما كانت قيمته، ومن الطبيعي أن تجعله يسعى بقوة للحفاظ على مكانته عند جماهير بلده بعمل أقصى شيء ممكن لمنع ذلك، فإن لم يكن بطلًا عليه على الأقل ألا يهبط؛ بالتالي ارتفاع متوقع جدًا في مستوى التنافسية مضافًا ذلك إلى الفرصة الثانية للصعود إلى اليورو وكذلك نوعية المنافس.

2. إقناع الجماهير

أسعار التذاكر للقاءات الودية خلال فترة كتابة مقال «ويليامز» كانت تتراوح بين 30:50 باوند. الأسعار أخذت في الانخفاض و

تقديم العروض

من قبل المختصين؛ لحث الجماهير على الدخول حتى لا تضيع القيمة التسويقية لهذه المباريات، لكن بلا فائدة. فمثلًا ضمن التقرير الذي أ

صدرته

«بليتشر ريبورت – Bleacher report» في سبتمبر/أيلول الذي صنف أقل 10 مباريات في الحضور الجماهيري، تواجدت مباراة إنجلترا وتشيلي في المركز الخامس بحضور شحيح 15 ألف مشجع فقط، في حين وصل

معدل

الحضور في كأس العالم 2014 إلى 98.3% من نسبة كل الملاعب في البرازيل.

إذا ما أخذنا على سبيل المثال مباراة المنتخب الإسباني ضد نظيره الكرواتي والتي مقدر لها أن تقام في الـ11 من سبتمبر/أيلول من عام 2018، نجد أنه وقبل المباراة بيوم واحد تتواجد فقط 9 تذاكر لم تُباع من سعة الإستاد اجمالًا، ذلك وفقًا لموقع

«فياجو جو – Viagogo»

المختص في حجز التذاكر عبر الإنترنت. بالرغم من وصول سعر التذكرة إلى 204 جنيه إسترليني، للمقارنة فإن سعر تذكرة مباراة ريال مدريد ضد بلباو والتي مقدر لها أن تقام في الـ16 من نفس الشهر، قد

تحدد

أعلى سعر فيها بـ151 جنيه إسترليني فقط. إذن في الرهان الأول، فإن الاتحاد الأوروبي قد نجح وبشدة في دفع الجماهير نحو المدرجات عن طريق زيادة مستوى التنافس المرجو.

3. البث التليفزيوني

قبل أيام قلية فقط من بداية البطولة، حدث

لغط

كبير في عملية البث التليفزيوني الخاص بمباراة إنجلترا الأولى. فبعد أن اعتادت الجماهير على مشاهدة منتخب بلادهم من خلال منصة «BBC»، حصلت شبكة «Sky Sports» على حقوق البث الخاصة بالفريق، والمعروف أن أغلب الإنجليز لا يمكلون اشتراكًا بهذه الشبكة، الحديث كان عن ملايين

ستفقد

فرصة مشاهدة اللقاء. الأهم من ذلك كله، منذ متى وهناك مشكلة تعاني منها الجماهير في بث مباراة لمنتخبهم بعيدًا عن اليورو وكأس العالم؟

عملية البث المنتظرة لهذه البطولة ستكون أكثر ربحًا من أي وقت مضى،

مجلة

«فوربس» وصفت الأمر بكون هذه البطولة هي مصدر الذهب الجديد للفيفا واتحادات اللعبة، باعتبارها بطولة كبيرة من دول مختلفة ومعتادة، تستهدف حوالي نصف مليار مواطن هو التعداد السكاني لقارة أوروبا، بمواعيد منظمة ومحددة مسبقًا وتدور جميعها حول هدف واحد ينتظره الجميع، من لا يرغب في ذلك؟


السياسة جزء لا يتجزأ من الرياضة

دوري الأمم الأوروبية، تصفيات اليورو، الإتحاد الأوروبي، اللقاءات الودية، كأس الأمم الأوروبية،

دوري الأمم الأوروبية، تصفيات اليورو، الإتحاد الأوروبي، اللقاءات الودية، كأس الأمم الأوروبية،

الجلسة الأولى لمسئولي الاتحاد الأوروبي من أجل هذه البطولة كانت في 2011، والسبب الذي أعلنوه كان رياضيًا تسويقيًا إلى أقصى درجة، لكنه بات من الساذج جدًا الاعتقاد في انفصال كرة القدم عن السياسة. في ذات الفترة تقريبًا كانت بداية الادعاءات من أجل انفصال إنجلترا عن الاتحاد الأوروبي، ومن بعدها تحركت موجة ليست بالهينة للانفصال كذلك. سارع السياسيون الذين تهمهم وحدة الاتحاد الأوروبي الإستراتيجي في تدشين حملات توحيد كبيرة يمكن التوقع أن هذه البطولة أحدها.

من بعد انفصال إنجلترا الرسمي الذي تم في عام 2017، دار الحديث عن وجود

احتمالية

لمطالبة 8 دول أخرى بالسير على طريق بريطانيا العظمى. أبرزها كان الدنمارك، تشيك، فرنسا، إيطاليا واليونان، ولا شك أن هناك العديد من الدول الصغيرة في هذه القارة التي تخضع لإمرة دول كبرى ستسير على دربهم مهما كانت العواقب. يُهم الاتحاد الأوروبي أن تختفي مثل هذه الرؤى تمامًا من الواقع القاري في السنوات القادمة حتى يتلاشى المزيد من الخسائر الاقتصادية.

تلك البطولة تظهر فيها فرص كبيرة لهذه الدول الصغيرة، وهي رسالة واضحة على أن الجميع ضمن هذه القارة لديه فرص بتكافؤ وفقًا لمكانته السياسية. تجربة كتلك كانت لتطبق لدرء الصدع القائم بين أسكتلندا وإنجلترا في الصراع الداخلي ضمن المملكة البريطانية العظمى، حيث انتشرت دعوات

لانضمام

كبيري أسكتلندا، رنجرز وسيلتك، للدوري الإنجليزي الممتاز لتشعر الجماهير البريطانية بالكامل أنها لحمة واحدة. وبتطبيق نفس المثال على بطولة الدوري الأوروبي نجد الأمور مطابقة تقريبًا سواء للمنتخبات الكبيرة أو الصغيرة؛ لذا يمكن أن نعتبر السبب الرابع لإقامة البطولة سياسيًا بشكل بحت.