ترتبط مشاهدات عيد الميلاد christmas أو رأس السنة new year’s eve  بتقاليد أمريكية وأوروبية تجمع الأسرة أو الأصدقاء في أجواء دافئة تضم تحضير الوجبات الخفيفة والحلوى والمشروبات الدافئة نظراً لانخفاض درجة الحرارة،  أمام  فيلم مرح مثل Home Alone الذي أصبح علامة وطقساً متفقاً عليه لهذا الوقت من العام وصل حتى إلى دول الشرق الأوسط ومصر، لكن أفلام عيد الميلاد والسنة الجديدة ليست دائماً أفلاماً عائلية أو معلبة للمشاهدة لذلك الوقت، من الممكن أن تكون أفلاماً عن أي شيء لكن تقع أحداثها أثناء عيد الميلاد أو عشية السنة الجديدة، يستخدم بعض صناع الأفلام ذلك التوقيت وأجواءه للإشارة إلى بداية ما نظراً لارتباط الأعوام الجديدة بالبدايات الجديدة أو لصنع تباين وتناقض بين الأجواء الاحتفالية ووحدة أبطال الفيلم.

تمثل بصريات عيد الميلاد بجمالياتها الغربية المعروفة من إضاءة حمراء وخضراء وأجواء احتفالية صيغة جاهزة لبناء جو سينمائي سواء كان باعثاً على الأمل أو الوحدة،  وتتميز تلك الأفلام الواقع أحداثها أثناء آخر أيام العام بخيارات بصرية معروفة، ملابس صوفية ، أشجار ضخمة وأضواء ملونة لكن بعض صناع الأفلام استخدموا تلك الجماليات لقلب رمزياتها أو كدافع بصري وسردي لأحداث غير معتمدة على تسليع الأعياد وإعادة تعليبها للاستهلاك في صورة قصص محفوظة عن الحب واللطف بين البشر أثناء الأعياد.

هنالك من استكشف صعوبة إمضاء الوقت وحيداً بينما الجميع متدثراً بأحبائه، أو طبيعة الفقر والتشرد وإمضاء الأعياد دون غرفة مغلقة تحمي من البرد، يمكن أيضاً رؤية استخدام تلك الجماليات كمؤشر لبداية أو نهاية فترة ما، أو لإضفاء أجواء مميزة وملونة تؤطر طبيعة مرور الزمن وصعوبة العلاقات أو للكشف عن الطبيعة الاستهلاكية والتجارية لتلك المناسبات التي كانت في وقت ما عن العطاء والتعاضد والحب وأصبحت بحر لا ينضب للاستغلال الرأسمالي والاستهلاك اللانهائي، هذا لا يعني أن تلك الافلام سوف تغلف المناسبات السعيدة بأفكار سوداوية لكنها تمثل خيارات بديلة لاستكشاف مشاعر مختلفة في تلك الأيام التي تضخم الشعور بالوحدة اذا كنت وحيداً لكنها أيضا تنثر علامات للأمل من حين لآخر وتعد ببدايات جديدة وجبر للانكسارات السابقة.

1. Dekalog 3


ليس من أشهر ما يوصف به المخرج البولندي الشهير كريستوف كيشلوفسكي أنه صنع فيلماً لرأس السنة، لكن المتابع الجيد له يعلم أن أحداث الحلقة الثالثة في سلسلته الشهيرة الوصايا العشر Dekalog 1989 تقع بالكامل ع‍شية عيد الميلاد، تبدأ الحلقة برجل يرتدي ثياب بابا نويل ليفاجئ أسرته، تملأ الشوارع أنوار ملونة تغيب لمعانها الأجواء الثلجية الأوروبية القاتمة، كل موقع يتحرك فيه الشخصيات تسكنه شجرة ضخمة، وكل الوجوه تتناوب عليها الأنوار الحمراء والخضراء، تبدو الأجواء الاحتفالية مسيطرة لكن هناك ما ينقصها، تعكر صفو احتفالات الأسرة مكالمة تخرج الأب من منزله في وقت متأخر من الليل.

تغير الحبيبة السابقة إيفا مسار الأحداث بدعوى أنها لا تجد زوجها في أي مكان وتحتاج للمساعدة، يمضي كل من رب الأسرة وحبيبته السابقة الليلة الاحتفالية في البحث حتى الصباح، مارين بسيارته على نقاط متعددة، حتى إنهما يصدمان شجرة عيد ميلاد تكون نتيجتها البصرية إضاءة مشبعة استراتيجية على الأوجه الوحيدة في الليل، يتضح أن رواية فقدان الزوج كلها أكذوبة لإنقاذ الذات، تحاول إيفا ألا تمضي ليلة الميلاد وحيدة، تذهب لأبعد السبل لكي تتجنب الوحدة القاتلة بشكل حرفي  بينما يحتفل الآخرون بحيوات مستقرة في أسر تقليدية تزين منازلها بالخضرة وتتبع التقاليد الاحتفالية، تمثل الحلقة الثالثة من الوصايا العشر مشاهدة حزينة لكنها لا تخل من جمال أو أمل ويستخدم بها كيشلوفسكي جماليات عيد الميلاد اللونية ليضفي أجواء محددة بصرياً تفصل تلك الحلقة عن بقية أعماله.

2. Carol


مثل كيشلوفسكي فإن تود هاينز مخرج مهتم باللغة البصرية والمؤشرات الجمالية بشكل رئيسي في أعماله، يستدعي بذكاء جماليات الكلاسيكيات الهوليوودية بخاصة الميلودرامية التي اتسمت بمفاتيح لونية متوهجة صاحبت ازدهار السينما في بداية توجهها للألوان، كما عكست التشبع الشعوري الذي عاشه أبطال تلك الأفلام، يستخدم هاينز ذلك التشبع اللوني ليصنع أفلام تقلب السرديات الكلاسيكية لكن بالأساليب الكلاسيكية نفسها وكأنه يصنع تاريخه الخاص من الأفلام، يظهر ذلك بشكل جلي في فيلمه كارول 2015، يساعده على نقل الأجواء البصرية الغنية اختيار زمن وقوع الأحداث في أسبوع إجازات عيد الميلاد.

مشهد من carol

كل مشهد في كارول يغلفه اللونان الأحمر والأخضر، تقابل  تيريز كارول لأول مرة وهي مرتدية قبعة بابا نويل الشهيرة أثناء عملها في متجر للألعاب، تصبح جماليات العام الجديد جزءاً رئيسياً من الصورة وكذلك إشارة سردية لبدايات الحب واستكشاف الذات، يقع الفيلم في عالم احتفالي ظاهرياً على الرغم من كل الأسرار القابعة تحته، لكنه ليس عالماً كئيباً أو قاتماً بل مشبعاً بالألوان والمشاعر الدافئة في زمن يستحيل للمرء فيه أن يعيش حقيقته، في مقال منشور في «الجارديان» تجادل هانا جين باركينسون أن كارول هو أفضل أفلام عيد الميلاد وأنه به كل ما يريده المرء من فيلم عيد ميلاد، تزيين الأشجار، سقوط الثلوج، المعاطف الملونة الثقيلة والأغنيات الاحتفالية لكنه أيضاً فيلم عيد ميلاد للبالغين، لأن الأسلوبية والدقة السينمائية ليست أوصافاً دائماً ما تصاحب ذلك النوع من الأفلام، لكن هاينز يدمج كل ما قد يريده المرء من فيلم تقع أحداثه في الشتاء وأثناء الأعياد مع مسحة من الحزن والوحدة، لكن يصاحبه شعور بالأمل وقصة حب كبيرة تملأ القلب.

3. It’s a wonderful life


عطفاً على واحدة من أشهر قصص عيد الميلاد «أنشودة الميلاد – A christmas carol» يعمل إنها حياة رائعة 1946 كحكاية مثل أقدم الحكايات عن فقدان الأمل واستعادته، عن معنى الحياة والموت والتآزر وعن الحب والرأسمالية ومواسم الإجازات، تقع أحداث الفيلم أثناء  أعياد نهاية العام من وجهة نظر جورج المصاب باكتئاب الأعياد، وهي حالة رائجة من الضغوط والتوقعات التي تحضرها بداية سنة جديدة، يدعو له كل أحبته بأن تنفرج روحه، وفي تلك اللحظة يستجيب الكون،  تغمر جورج عشرات المهمات والديون والمشكلات، تصبح الحياة بلا معنى ومحاولة عيش إجازة سعيدة يمثل ضغطاً لا يحتمل، يتمنى جورج الموت فتستجاب أمنيته، يرى الحياة كما لو لم يولد قط، يصبح شبحاً مطلعاً على حياته من دونه.

لدى الفيلم كل مقومات أفلام الأعياد من أجواء شتوية ونهاية سعيدة، شوارع وبيوت مزينة وموسيقى احتفالية، إضافة لذلك فإنه يفكك مشكلات الحياة المعاصرة في الأربعينيات ويرجعها للأساسيات، يدعو المشاهد إلى أن يعطل حسه النقدي لبعض الوقت ويتقبل الحياة كما هي عليه بلمحة من الرضا والتقبل وإعلاء الحب عن كل قيمة أخرى، يتعامل إنها حياة رائعة مع عيد الميلاد باعتباره زمناً للمعجزات، لاستجابة الدعوات ومد الملائكة والنجوم أيديهم لمساعدة الأرضيين التعساء، من المعروف عن المخرج فرانك كابرا نزعته الشعبوية في تناول المشكلات الاجتماعية بالنسبة له تقع الحلول في أيدي البشر أنفسهم، وعلى الفرد أن يحتمل الظلم الخارجي سواء كان واقعاً من الحكومات أو الأفراد، لكن تلك الأيديولوجيا السينمائية تعمل في أنها حياة رائعة لأن الكل في حاجة للإيمان بالمعجزات، والشعور حتى لو لوقت ضئيل من العام بانتصار السحر على الحياة اليومية.

4. Tokyo Godfathers


في عرابي طوكيو 2003 يعثر ثلاثة أشخاص متسكعين بلا مأوى على طفل رضيع وسط أكوام القمامة حيث كانوا يبحثون عن هدايا لرأس السنة، عيد الميلاد في العرابين هو مكان وزمان لحصول المعجزات، إيجاد رضيع تخلى عنه أهله وإعطاءه كل الحب الذي يستحقه، أو عثور أب مدمن على الكحوليات ترك أسرته من عشرات الأعوام على ابنته مصادفة أثناء انتقاله للمشفى إثر حادث اعتداء، في عرابي طوكيو كل شيء قاس والمدينة لا ترحم حتى أثناء توهجها بأضواء عيد الميلاد الملونة لكن على الرغم من ذلك الأمل موجود في كل ركن مظلم وكل صدفة غير متوقعة.

تتغير الأقدار من أجل إنقاذ طفلة وتتكون أسرة بديلة غير متوقعة متكونة من أب سكير هجر ابنته وابنة هجرت أباها وامرأة عابرة جنسياً تتمنى اختبار الأمومة التي لم تتلقها قط من أمها لكن قلبها مملوء بحب لا نهائي لكل طفل وكل متسكع آخر تقابله في الطريق، يصنع المخرج الياباني ساتوشي كون رسوماً متحركة للبالغين يجد الأمل في نهايات السنة على الرغم من قتامة كل شيء، فيلم تتدخل فيه الملائكة لإنقاذ من يحتاجهم وتتحول القسوة عندما تتعرض للحب إلى رقة، وبعيدا عن البيوت المغلقة ودفء الليالي الشتوية في رأس العام إلا أن الشخصيات التي تتخذ من الشوارع بيتا ومن الغرباء أسرة تجد معجزات عيد الميلاد وتتغنى بقصائد الهايكو، يستكشف عرابي طوكيو مفاهيم للأمومة والرعاية، ويجعل من وقت عيد الميلاد فرصة للتصالح مع كل شيء والبدء من جديد.

5. A Charlie Brown Christmas

في واحد من أول انتقالات شخصية «شارلي براون شارلز ام. شولز» من الأوراق إلى الشاشة، نرى الشخصية الكارتونية المحبوبة في أمريكا، طفل في الثانية عشرة مصاباً باكتئاب الميلاد، يشعر أن الأعياد أصبحت تجارية وأن الجميع يفكر في ذاته، على مدار نصف ساعة يستطيع فيلم عن مجموعة أطفال يناقشون المادية والتسليع والاكتئاب المصاحب للإجازات أن يفكك طبيعة الأعياد والرموز المرتبطة بها في أجواء تبدو طفولية حتى إن لم تكن كذلك، يحاول أصدقاء شارلي براون انتشاله من هوة الحزن، فهو على حد قوله لا يفهم عيد الميلاد ولا يشعر بالحماس المفروض عليه من الأجواء الاحتفالية.


يشركه الأصدقاء في مسرحية عيد ميلاد وتصبح مهامه الإخراج وإحضار شجرة، يتجاهل شارلي كل الأشجار التجارية السعيدة المزينة ويختار شجرة من ثلاثة أغصان يسخر منها الجميع، يحاول تزيينها فتسقط أغصانها، يقرر شارلي أن كل ما يلمسه يفسد، ثم ينقذ أصدقاؤه الموقف بإحياء الشجرة وجعلها شجرة عيد ميلاد وينتهي الفيلم بسعادة، يمثل ميلاد شارلي براون 1965 مشاهدة سعيدة وبسيطة لكنها غير تبسيطية لطبيعة عيد الميلاد والنقاشات الدائرة حول كونه إجازة تجارية بعدما كان إجازة دينية وروحية، تصاحب الرسوم الكارتونية المبسطة الملونة موسيقى احتفالية مكتوبة في مفتاح صغير يصنع تيمة مغايرة ثيمات عيد الميلاد المعروفة، يتغنى كورال الأطفال بكلمات «وقت الميلاد قد حل» بلحن حزين يجعل من حلول ذلك الوقت مناسبة مربكة أكثر منها سعيدة بالضرورة.

6. Le Pupille


في آخر أفلامها صنعت المخرجة الإيطالية أليتشي روروكر فيلم قصير لصالح شركة ديزني بعنوان الطالبة 2022، وهو مزيج لم يتوقعه أحد، تواصل معها المخرج المكسيكي الفونسو كوارون لمشروع أفلام قصيرة عن عيد الميلاد،أول ما تبادر إلى ذهن أليتشي عند سماعها كلمة ميلاد هو كعكة وردية ضخمة، تقع أحداث الفيلم عشية عيد الميلاد في مدرسة داخلية دينية للفتيات اليتامى، تدار المدرسة من قبل الأخوات بصرامة وحسم، كل الفتيات تطعن الأوامر إلا طفلة واحدة في لحظة عفوية غيرت محطة الإذاعة من أخبار الحرب إلى أغنية راقصة، على أثرها رقصت الطالبات في فعل ممنوع بشكل حاسم، اعتذرت كل الطالبات لكنها لا تزال تحمل في قلبها الأغنية وهذا يجعلها في نظر الراهبات حاملة للشر داخلها.

تبدأ الأحداث في التصاعد عندما تتبرع امرأة للدير بكعكة وردية ضخمة، الكل يريد قطعة منها لكن الأخت الكبيرة تقرر أنها ممنوعة على الفتيات وأنه من الواجب منحها للمسيح كقربان، لكن لأن الفتاة الصغيرة تحمل داخلها الشر تناول قطعة صغيرة وتوزعها على صديقاتها في فعل عطاء رقيق يناسب روح الميلاد قبل أن يتم قمعها داخل الفتيات، تتسبب لفتة الطفلة السخية في فوضى تؤدي بالكعكة في النهاية لمجموعة من العمال البسطاء فيأكلون الحلوى في عيد الميلاد ويحتفلون، تصنع روروكر كعادتها فيلماً رقيقاً مليئاً بالمعجزات الصغيرة، تستخدم الأطفال لصناعة فواصل موسيقية مرحة وتستخدم الصور الإيطالية الأيقونية مثل الأطفال بأجنحة ملائكية لصنع تأثير ساخر بجانب كونه سحرياً مثل كعكة شهية تود لو تفعل أي شيء لتذوقها في عيد الميلاد.

7. The Umbrellas Of Cherbourg

في عوالم المخرج الفرنسي جاك ديمي كل لقطة مشبعة بالألوان، بالغناء، بالأزياء والوجوه الجميلة، تتداخل ألوان ورق الحائط مع ألوان ملابس الأبطال في عالم متناغم بشكل لا نهائي، عالم غير خيالي لكنه ليس حقيقياً كذلك، في أشهر أفلامه الغنائية مظلات شيربور 1964 يخلق ديمي قصة حب موسيقية غنية بالتفاصيل والحزن النبيل، تقع أحداث الفيلم كلها في شتاء فرنسي مثالي، لكن ذروة الأحداث تقع في ديسمبر، وقت الأعياد، وقت تغطية الثلوج للأرضيات وظهور الأشجار المضاءة، هل من الممكن أن نطلق على مظلات شيربور فيلم عيد ميلاد؟ لا تمتلك تلك الأفلام سمات محددة غير وقوعها في وقت رأس السنة لكن بعضها يختار وقوع أهم مشاهده في ذلك التوقيت، كخلفية تؤطر مرور الوقت وتضفي جماليات متناقضة بين مآلات الحياة وما يتمناه المرء.


جي وجينفييف شاب وفتاة واقعان في الحب بجنون في سن صغيرة، يتقابلان للرقص وحضور الحفلات الموسيقية، حبهم مثالي وأبدي مثل أي حب فتي، لكن الحياة لا تسير بذلك الشكل الذي يتمناه المرء في ربيع عمره، يضطر جي المغادرة للتجنيد لمدة عامين، وبسبب مرور الزمن والأحكام المجتمعية وحمل جينفيف، تضطر تحت ضغط أمها  للزواج في غيابه، وبعد أعوام يلتقيان مصادفة في وقت عيد الميلاد، بينما تلعب التيمة الموسيقية الخالدة لميشيل لوجران وتسقط الثلوج بكثافة للتذكير بما كان ممكناً في وقت ما، يمثل مظلات شيربور مشاهدة ذات أجواء احتفالية حتى وإن كانت حزينة، ويصلح لقضاء ليلة رأس سنة في أجواء من الموسيقى وقصص الحب غير المكتملة بدلاً من قصص الحب المحتوم والاعترافات الكبرى أمام الشجر المضاء.

8. Phantom Thread


مثل مظلات شيربور تقع الأجواء الاحتفالية في قلب وذروة الخيط الوهمي 2018، آخر أفلام دانييل داي لويس قبل إعلانه الاعتزال وأكثر أدواره طبيعية ودقة، تقع أحداث الفيلم في عالم أزياء لندن الفاخرة فترة الخمسينيات، يصبغ المخرج بول توماس أندرسون الذي تولى تصوير الفيلم أجواء فيلمه بألوان دافئة وأزياء فارهة، ويصنع قصة حب سامة غير تقليدية تتناوب بها علاقات القوة بين الطرفين حتى تصل إلى ذروة غير متوقعة من التفاهم الذي لن يتقبله غير من يعيشه، رينولدز وودكوك مصمم أزياء شهير عبقري لا يقبل بالازعاج ويستخدم النساء كإكسسوارات في قصره الخاص، حتى تدخل ألما حياته وتشككه في قدرته على التحكم في كل شيء.

في مشهد رئيسي من الفيلم تطالب ألما رينولدز بالذهاب لحفل احتفال برأس العام، حفل صاحب وكبير مزين بالأضواء والألوان بأجواء كرنفالية من الرقص والأقنعة الغرائبية، يرفض رينولدز بسخط ولكن لأن ألما تملك الأهلية على نفسها تذهب وحدها، ترقص وتتعرف على الآخرين، تتحرك وسط الحشود بحرية وتجد لنفسها وقت خاص، في تلك اللحظة يلحق بها رينولدز يوبخها ثم يتفهم دوافعها وينتهي المشهد مع موسيقى جوني جرينوود الرقيقة بينما يرقص الثنائي بهدوء وسط ما تبقى من بالونات ملونة وأضواء أشجار الميلاد وحدهما في أطلال حفل كان صاخباً، يمثل الخيط الوهمي مشاهدة احتفالية تستخدم احتفالات نهاية العام لخلق لحظات حب غرائبية ولصياغة بصريات تضيف زخم وغنى لوني وسردي على أحد أكثر الأفلام الرومانسية غير تقليدية.

9. Eyes Wide Shut


يقال إن النسخة التي نشاهدها من عيون مغلقة على اتساعها 1999 هي ليست النسخة التي أراد لها ستانلي كوبريك بالظهور قبل وفاته، الفيلم هو آخر أفلامه وعلى الرغم من كل الجدالات التي تحاوطه فإنه واحد من أكثرها تأثيراً على السينما من بعده، كم مرة رأيت أقنعة عصر النهضة المخيفة والعباءات الحمراء في فيلم رعب أو فيلم يتحدث عن الجماعات التحت أرضية؟ مع الوقت ازدادت قيمة الفيلم وأصبح تأثيره واضح في الذاكرة البصرية العامة حتى في الشرق الأوسط ومصر، لكن بجانب جمالياته المخيفة المرتبطة بالتجمعات والطقوس السرية إلا أن عيون مغلقة على اتساعها فيلم عيد ميلاد من دون شك، تبدأ أحداثه في حفل لرأس السنة، حفل متلألئ بضوء ذهبي ساحر وأضواء الأشجار المزينة بالأحمر والأخضر، يستخدم كوبريك وضع عيد الميلاد ليؤطر وحدة غرائبية يعيشها أبطاله، تتألق شوارع المدينة بزينة الميلاد بينما تلاحق البارانويا والأسرار بطله ويليام ليلا، إذا أوقفت الفيلم في أي مشهد ستجده يصلح بسهولة أن يكون مشهداً من فيلم ميلاد مرح دون قصد.

ذلك المرح العارض هو ما يجيده كوبريك بشكل متفرد، تقع السخرية في قلب أفلامه حتى أكثرها حدة وغرابة، في The Shining الذي يعتبر أشهر أفلام الرعب في التاريخ المعاصر يتجاور الرعب مع السخرية أو حتى المشاهد المضحكة بشكل غير متوقع، كذلك في عيون مغلقة يتصاعد الرعب عن آخره في أجواء احتفالية أسرية، تؤطر طبيعة الإجازات العائلية مخاوف الزواج والعائلات التقليدية فيما يخص الجسد والجنس، وينتهي الفيلم بلفتة ساخرة لأن الحياة ليست بتلك الجدية ولا الأهمية التي يظنها ويليام عن نفسه، لا أحد يطاردك أو يهتم بوجودك الفردي، يمثل الفيلم مشاهدة غير تقليدية لأفلام رأس السنة لكنها تستحق التجربة.

10. Catch me if you can


قطاع عريض من مشاهدي الأفلام حول العالم يعرفون جيداً قصة فيلم «أمسك بي إن استطعت»، فرانك أبيجنيل المراهق خارق الذكاء الذي احترف أساليب مفصلة ودقيقة في الخداع منذ صغره بسبب تعاليم أبيه نفسها، يستطيع فرانك تحويل وإعادة خلق نفسه في عشرات الشخصيات، مثل ممثل يعيش حياته تحت جلود الآخرين، يصبح طبيباً تارة فيخدع أسرة ممرضة رقيقة تقع في حبه، ويصبح محامياً بسبب مشاهدته لحلقات law and order ، يزيف فرانك هويته كروتين سهل ولعبة طفولية يستطيع الفرار بها كل مرة، لكن تقع الصراعات الرئيسية في الفيلم بينه وبين العميل الفيدرالي كارل هينراتي الذي يحاول الإمساك به لكنه يفلت مرة بعد مرة، صنع ستيفن سبيلبرج من تلك الديناميكية الكلاسيكية بين المطارَد والمطارِد فيلم مثير، لكنه شخصي ورقيق في داخله، فرانك في النهاية ابن أسرة متفسخة، لم يعرف الاستقرار قط ومنذ بداية مغامراته في تغيير الهوية لم يختبر سوى الوحدة على الرغم من وسامته ودهائه.

من تلك الفرضية يعمل «أمسك بي إن استطعت» كفيلم عيد ميلاد أو رأس العام، يقع جزء كبير من ذروته في وقت إجازات نهاية العام، يؤطر ذلك وحده فرانك حتى إنه يتصل بالمحقق في واحد من أكثر مشاهد الفيلم أيقونية، يغيظه بكونه لن يقضي العيد مع ابنته، ويستمر في الحديث إليه حتى يغامر بكشف مكان اختبائه، يستطيع هينراتي بذكاء اكتشاف وحدة فرانك ويأسه ويعلم أنه لا يملك غيره ليحادثه في ليلة الميلاد، وحيد إلى درجة تجعله يجازف بحريته من أجل بضع دقائق من الصحبة وسماع صوت مألوف، بالطبع توازي تلك اللحظة العاطفية شوارع مغطاة بثلج كثيف، وأضواء الأشجار في ليل وحيد يبدو وكأنه بلا نهاية، يمكن وضع الفيلم ضمن عدة تصنيفات منها أنه كونه فيلم إثارة وفيلماً عائلياً، ويمكن كذلك اعتباره مشاهدة غير تقليدية تصلح كصحبة للوحيدين في وقت نهاية العام .