ليس في أوقات الأزمات وفقط، في الأوقات الحلوة أيضًا، السينما توفر ملجأ ومهربًا، كما توفر أيضًا عزاء مستمر لك وبشكل شخصي، أن كل هذا سوف يمضي، وحتى لو لم يمضِ، فعلى الأقل ستقضي بعض الأوقات الجيدة قبل أن ترحل.

من مصر، الدولة المزدحمة بالمشاعر والناس، إلى مناطق متفرقة ومختلفة من الدنيا، السينما لها لغتها العالمية، يفهمها الجميع حتى لو نطقت ألسنتهم بلغات ولكنات مختلفة، إذا كُتب عليك البقاء في عزل اختياري أو إجباري، في انتظار الحرية أو النهاية، وقررت أن تختار قائمة بعشرة أفلام ستصحبك وتصحب أحباءك في هذه الأوقات الصعبة، بحثاً عن الأمل، ماذا ستختار؟

في القائمة التالية محاولة للإجابة على هذا السؤال.

1. الكيت كات – الناس


رائعة داوود عبد السيد، من إنتاج عام 1991، هي الاختيار الأول، الكيت كات مجموع إبداعات نادرة، تجمعت في لحظة غفل فيها الزمن وقرر أن يسمح لنا بلحظة توهج مكتملة في مصر، البلد التي يتحالف فيها الفساد والمحسوبية والجهل عادة لإفساد كل ما هو جميل، هنا في النص المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان، الرجل الحكاء الممتع، الذي تمثل كتابته أكثر حكاوي المصريين بساطة وواقعية، وشاعرية في نفس الوقت، تنبض الشخصيات بالحياة في سيناريو داوود عبد السيد، الشاعر السينمائي، والإنسان الذي يغمرك حضوره براحة ومحبة غير محدودة، ليظهر على الشاشة محمود عبد العزيز في أجمل أداءاته طوال تاريخه، وليتوهج الجميع في لحظات استثنائية في حياتهم، نجاح الموجي، شريف منير، عايدة رياض، وحتى أحمد كمال في دور الزوج المخدوع المنسي. كل هذا وفي الخلفية بسكاليا راجح داوود التي تطرح السؤال والشك والشجن، أصوات الأرغن المتصاعدة التي تشبه صوت الكروان، أسئلة مستمرة تتردد في الأفق دون جواب.

في أحد أجمل مشاهد الفيلم يلقي الشيخ حسني مونولجًا طويلاً عن حاله وحال البلد، ليرد على عتاب عم مجاهد له، المشهد الذي ينتهي بجملة، «الحكاية مش حكاية البيت، المشكلة مشكلة الناس اللي عايشة ولازم تعيش»، هنا لحظة التوهج التي لا تُنسى لكل من شارك في صنع هذه اللحظة السينمائية، بما فيهم الراحل أحمد سامي، عم مجاهد الميت، لحظة التوهج التي تترك في النفس أثرًا لا يزول، وتذكرنا بأن الناس هم السبب الأول للبقاء على قيد الحياة، الناس «اللي عايشة ولازم تعيش».

2. Hannah and her sisters – احتمالية المعنى


هذا الفيلم الفائز بثلاث جوائز أوسكار، من ضمنها جائزة أفضل سيناريو، بكل ما فيه من موسيقى وشعر وعلاقات حب متشابكة، يمثل الاختيار الثاني، لأن وودي آلن هنا يصنع مزيجه المميز تمامًا بين الضحك والدراما.

وودي آلن يظهر في هذا الفيلم بشخصية الرجل العصابي الذي يتوهم المرض، صورة اعتاد عليها الجمهور لدرجة جعلت البعض يعتقد أن هذا وودي آلن في الحقيقة، وهو أمر بعيد تمامًا عن الواقع. على أي حال، هذا الرجل يظهر في الفيلم وكأنه على حافة الموت، يظن أن مصاب بمرض مميت، ويفقد الأمل تمامًا في وجود معنى للدنيا، بعد بحث مطول في كل شيء، لدرجة جعلته يجلس في غرفته، ممسكًا ببندقية موجهًا فوهتها إلى رأسه، لكن الرصاصة لسبب ما تخطئه، ليخرج مذعورًا متوجهًا إلى السينما، مكان مظلم يهدأ فيه قليلاً، ويفكر.

الإجابة التي قدمها وودي آلن في هذا الفيلم هي احتمالية المعنى، ربما الحياة بلا معنى، وربما هي ذات معنى، هذه الاحتمالية تكفي، تكفي لبقائك فيها قدر استطاعتك، ولاستمتاعك بكل ما فيها من حلو ومر، ربما تجد حياةً أخرى بعدها أكثر قيمة ومعنى، وربما تصبح هذه الحياة بمحدوديتها فرصتك الوحيدة.

الحب يظهر كسبب محتمل أيضًا في «هانا وأخواتها» لكن الحب هنا لا يُقدم بصورته الهوليودية الأبدية، الحب لحظات جميلة نعيشها، قد تستمر لفترة قصيرة أو طويلة، وقد لا تكتمل، لكنه في النهاية سبب للبقاء على قيد الحياة، وسبب لإلهام الكثير من المبدعين، وكمثال يختار آلن هنا أن يمتعنا بقصيدة للإنجليزي إي إي كامينجز، وبمقطوعة من أجمل مقطوعات باخ.

3. Scent of a woman – الصداقة والحب


إذا كنت سأختار أفلامي الأخيرة، ألباتشينو سيكون حاضرًا بلا شك، هذا رجل يملك الكاريزما الأكبر لنجم سينمائي على الشاشة، قد يكون «عطر امرأة» ليس أفضل أفلامه، ولكنه أحد أجملها تأثيرًا على مشاهديه، وعلى باتشينو شخصيًا، فهو الفيلم الذي منحه جائزة أوسكار استحقها قبل ذلك بعقدين من الزمن على الأقل.

في الفيلم المأخوذ عن رواية الأديب الإيطالي جيوفاني أربينو، ومن إخراج مارتن بريست وسيناريو بو جولدمان، يقدم لنا باتشينو سببًا جديدًا للبقاء على قيد الحياة، الصداقة التي تنتشل كهلاً عجوزًا وفاقدًا للبصر من هوة سحيقة من الاكتئاب، وتنقذه من محاولة انتحار، وتعطيه أملاً متجددًا في الحياة، يضاف لذلك دون شك الأمل في إيجاد الحب، الأمل في إيجاد عطر امرأة يشعرك بالرضا والطمأنينة بعد أن تستيقظ في صباح أحد أيام نهاية الأسبوع.

4. The Shawshank redemption – الأمل في الحرية


الكادر البعيد للشاطئ والمياه الزرقاء في نهاية The Shawshank redemption يعطي سببًا إضافيًا للبقاء على قيد الحياة، الأمل في الوصول للحظة الحرية، التي تتوقف عندها ولو مؤقتًا كل مخاوف الحياة، مخاوف قد يكون أكبرها الاستبداد والسجن في الكثير من الأحيان.

فيلم المخرج الفرنسي فرانك داربونت عن رواية ستيفن كينغ، أصبح أحد أكثر أفلام السينما محبة على مر الأجيال، على رغم عدم حصوله على أي جائزة كبرى، رحلة تيم روبينز ومورجان فريمن في سجن يبدو الهروب منه مستحيلاً، تؤكد المثل المصري «ما ضاقت إلا لما فرجت»، كلما اشتدت حلقات المعاناة في شاوشنك، كلما زادت الفرحة في النهاية، الأمل شيء خطير كما علمنا مورجان فريمان، لكنه أيضًا سبب كافٍ للاستمرار على قيد الحياة.

5. Big Fish – الحكايات


هذا فيلم لن يتذكره كثيرون ممن شاهدوه، لكنهم سيتذكرونه بالتأكيد إذا سألتهم عن أجمل الحكايات التي سمعوها في حياتهم، في «السمكة الكبيرة» يقدم المخرج الأمريكي تيم بيرتون نسخته الأكثر شاعرية للمزج بين الواقع والفنتازيا، وحوش بيرتون هنا تنبع من حكايا أب عجوز يودع ابنه وأحباءه في أيامه الأخيرة، حكايا نبدأها بعدم التصديق، بالتشكك، ثم نستمر في البحث، قبل أن ندرك في النهاية أن التصديق سيجعل منها نسخًا أفضل، وسيجعلنا شخصيًا قادرين على الاستمرار في الحياة، والأهم أننا سنحتفظ بصورة جميلة عن أحبائنا من خلالها.

أبحث في حياتي عن الحكاية، لا الحقيقة، هذا ما تعلمته من هذا الفيلم. الحكايات هنا تمنح قدرة سحرية لأحبائنا على البقاء معنا، وهذا يكفي.

6. Close Up – السينما


القدرة على تكثيف الحياة في شريط فيلمي قصير يبقى لسنوات وسنوات بعد مرور هذه اللحظات، هذه حيلة سحرية تمكننا من البقاء على قيد الحياة حتى بعد أن نرحل، القصد هنا ليس السينما فحسب، خصوصًا في هذه الأيام، سجل لحظاتك، احتفظ بنسخة مكثفة من حياتك وحياة أحبائك، صورها في مقطع فيديو وأطلقها في الفضاء الإلكتروني، ستبقى طويلاً.

في تحفة المخرج الإيراني عباس كيارستامي المعنونة «كلوز أب»، يحتفظ كيارستامي بحكاية حقيقية ملهمة عن رجل يدعى «حسين سابزيان» رجل يحب السينما، لدرجة تدفعه للتورط في انتحال شخصية المخرج السينمائي «محسن مخملباف» جريمة صنعت ليست بدافع المال ولا النصب، لكن بدافع واحد فقط، هو التحقق، الشعور بأنك يمكن أن تصبح جزءًا من هذا العالم السحري المسمى بالسينما، المذهل أن حسين نفسه قد حقق حلمه من خلال هذا الفيلم، فتحول إلى بطل سينمائي، نتذكره كما يتذكره الكثيرون من محبي السينما حول العالم، ويتحدثون عنه حتى اليوم، حتى لو رحل حسين نفسه عن الدنيا عقب صدور الفيلم في أوائل التسعينيات.

7. Cinema Paradiso – الذكريات


هذا فيلم آخر يحمل محبة خالصة للسينما، يمكن مشاهدته فقط للاستمتاع بحب الطفل توتو الفطري للسينما، هروبه من والدته للذهاب لمشاهدة الأفلام، وصداقته الفريدة من نوعها مع العجوز عامل تشغيل ألة العرض، كل هذا بالطبع في أجواء إيطالية مليئة بحب الحياة وموسيقى إينيو موريكوني.

لكن الفيلم يكتسب قيمة مضافة لبقائه كدليل على أن الذكريات هي أحد أسباب بقائنا على قيد الحياة، لحظات حلوة عشناها مع بشر رحلوا عنا، ولحظات أخرى نعيشها وندرك أنها حتمًا لن تستمر، حتى لحظات المعاناة التي تتحول لذكريات نسخر منها فيما بعد. حينما يكبر توتو ويشاهد لحظات من حياته السابقة التي احتفظ بها على خام الفيلم، بالإضافة للحظات أخرى من أفلام رفض أن تُقص وتحرق، ندرك قيمة الذكريات ومدى قوتها، نستمر في الحكاية بقوة دفع الذكريات القديمة، وبأمل أن نكون ذكريات جديدة فيما بقي من عمرنا.

8. Searching for the sugar man – الموسيقى


يقول نيتشه «بدون الموسيقى لكانت الحياة مجرد غلطة»، وهو أمر قد يكون حقيقيًا للغاية خصوصًا إذا ما تذكرنا هذا الفيلم، البحث عن رجل السكر حكاية أجمل من أن تكون حقيقية، عن رجل يعمل كعامل بناء في الولايات المتحدة الأمريكية لكنه أحد أشهر النجوم الموسيقيين في جنوب أفريقيا.

هذا الفيلم الوثائقي، من إخراج الجزائري السويدي ماليك بن جليل، والذي انتزع الأوسكار في عام 2012 يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الموسيقى قادرة على تخليد صناعها بما يتجاوز حدود الزمان والمكان، هذا أمر قد يكون معروفًا، لكن ما أطرحه عليك الآن صديقي القارئ أن الموسيقى يمكنها أيضًا أن تعطي مستمعيها، أنا وأنت والصحبة والأحبة، سببًا معتبرًا للبقاء على قيد الحياة. لقد جربت هذه الوصفة الشخصية من خلال هذا الفيلم، ومن خلال موسيقى رودريجز، جربتها في شقة الأصدقاء الطيبين بمدينة طنطا، ولا زال أثرها صالحًا حتى اليوم.

9. It’s a wonderful life – الحياة


إنها لحياة رائعة، عبارة تكفي لإطلاق الضحكات، خصوصًا إذا كنت مصريًا وتعيش في مصر، لكن هذا الفيلم الأمريكي الكلاسيكي، الذي أصبح ملازمًا لمواسم أعياد الكريسماس وآخر العام، يقدم في الحقيقة نسخة عن حياة ليست رائعة على أي حال، حياة رجل على وشك الإفلاس، محاط بالاكتئاب وفقدان الأمان، لكنه يوفر لأبطاله ولمشاهديه محاكاة لما كانت هذه النسخة المحبطة من الحياة لتبدو لو لم نكن هنا.

الاختيار سيكون لك عقب المشاهدة، لكن في كثير من الأحيان فهذا الفيلم الذي صنعه فرانك كابرا بعد عودته من الخدمة العسكرية، ينجح في إقناعي شخصيًا بأن الحياة تستحق الحياة من أجل الحياة، من أجل الفارق الذي أصنعه شخصيًا في الحياة. اللحظات الشخصية، والأسرية، هي البطل الحقيقي لهذا الفيلم.

10. الناظر – الضحك


الضحك أحد أهم الأسباب للبقاء على قيد الحياة، مرة أخرى خصوصًا إذا ما كنا نتحدث عن السياق المصري، وفي هذا السياق فلو قررت اختيار مشاهداتي العشر الأخيرة فلن أفوت الناظر، علاء ولي الدين بحضوره المبهج والطيب بين عاشور وصلاح وجواهر، وأحمد حلمي المؤمن الأول بعدم الاكتراث في السينما المصرية، حسن حسني بحضوره السلس في عصر مكتمل من الأفلام، يوسف عيد صاحب الظهور القصير والأيقوني، وصولاً لشخصية اللمبي، الإنجاز الإبداعي الأهم للمؤلف أحمد عبد الله، الإنسان المصري ما بعد الحداثي، غير المدرك لوجود السلطة، وغير المدرك لوجود الحداثة، وغير مؤمن بكل الخطوط الحمراء للمجتمع المصري ومدرسة الوطنية المصرية الثانوية بنين.

الناظر سيكون إجابة حكيمة للغاية لختام هذه القائمة، الضحك سيكون إجابة مناسبة تمامًا للختام.