يا رجال الشرطة الأوفياء، لقد عبَرتم مرحلة حرجة وعدتم إلى مهامكم بفكر جديد يحترم القانون والمواطن. وفقكم الله إلى ما فيه خدمة الوطن





المشير حسين طنطاوي

أداة القمع والبطش وعصا النظم السلطوية والشمولية. فدائمًا ما يتورط جهاز الشرطة في أعمال الفساد والبطش بالمواطنين؛ مما يثير غضب الشعوب ضد تلك الأجهزة ويجعلها دائمًا ذات سمعة سيئة، ويصبح أول مطالب أية ثورة ضد تلك النظم هو إصلاح قطاع الشرطة ومحاكمة المتطورطين منه في أعمال الفساد والقمع.


الشرطة في بيوت زجاجية

تعجّب الشعب من عدم طلب الشرطة للرشوة وعدم استجابتهم عندما تُعرض عليهم وكان هذا غريبًا





إيكاترينا زولادره، نائب وزير الداخلية بجورجيا

ما يقرب من 5 ملاين مواطن من جورجيا خرجوا في مظاهرات ضخمة بفبراير/شباط 2003، ضد نظام الرئيس «إدوارد شيفرنادزه» عقب

انتخابات

مزورة. وتحولت التظاهرات إلى ثورة ضد الرئيس بقيادة الشاب «ميخائيل ساكاشڤيلي» والذي أصبح رئيسًا للجمهورية عقب الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2004، بعدما قدم شيفرنادزه استقالته.

بدأ النظام الجديد في محاولة تطبيق مبادئ الثورة، حيث أهمية تأسيس نظام جديد يحترم المواطنين. وكانت أهم العقبات التي واجهت نظام الثورة هو كيفية التعامل مع جهاز الشرطة، لكونه الجهاز الأكثر فسادًا في جورجيا، فهو قائم على الرشى والابتزاز والتورط في أعمال مخالفة للقانون مع عصابات المافيا؛ مما جعل من الصعب إجراء عمليات إعادة تأهيل ودمج أعضاء الجهاز في العمل وفقًا لمبادئ الثورة مرة أخرى، فلجأ النظام إلى حزمة من الإجراءات التطهيرية للجهاز.

التطهير الفوري

اخترنا شرطة المرور لأن الشعب يتعامل معهم يوميًّا ويعرف مدى فسادهم، فالمرور كان جهازًا قبيحًا وكان شكل رجل المرور سيئًا للغاية، ولم يكن ممكنًا أن تكون تلك هي صورة الشرطي.





وزير داخلية جورجيا

في يوم واحد وصل عدد نزلاء السجون في جورجيا من 500 نزيل إلى 3500 نزيل، حيث قررت نائبة وزير الداخلية

فصل

18 ألف شرطي كان جميعهم من جهاز شرطة المرور، حيث كان الأكثر فسادًا في الشرطة. فتم سجن المرتشين من بينهم، وظلت شوارع جورجيا 3 شهور كاملة بدون تواجد لشرطي مرور واحد، إلى أن تم تعيين أفراد مدنيين مكانهم بعدما تلقوا تدريبات عالية المستوى، وتم إعدادهم للقيام بمهام وظيفتهم الجديدة.

وكانت عملية التعيين تتم على التوازي، فقد بدأت الوزارة بإصلاح مناهج أكاديمية الشرطة، وتم الإعلان عن وظائف خالية بجهاز المرور تقدم له العديد من المدنيين ليخضعوا لاختبارات بدنية ونفسية ومعرفية، وتم اختيار الأنسب لرؤية وأهداف الحكومة الجديدة. إلى جانب تغيير الزي الرسمي للشرطة، حيث ارتبط الزي القديم في عقول المواطنين بعقود الفساد والقمع. فسعت الوزارة إلى تقديم نفسها بصورة وعقيدة جديدة تقوم على خدمة المجتمع والمواطنين وليس خدمة النظام.

أحد أقسام الشرطة بجورجيا

أحد أقسام الشرطة بجورجيا

الهيكلة الداخلية

لم تكتفِ الحكومة الجورجية بعمليات التطهير الفوري لأعضاء الجهاز، وإنما لجأت أيضًا إلى

إعادة

الترتيب الداخلي للجهاز، فتم دمج عدد من الهيئات والوزارات مع وزارة الداخلية لتصبح جهازًا واحدًا. حيث تم دمج وزارة الأمن وحرس الحدود وحماية المنشآت والحماية المدنية والمباحث إلى وزارة الداخلية، وتم فصل كلّ من إدارة السجون لتصبح جزءًا من وزارة المساعدة القانونية والإصلاح، وشرطة البيئة لتتبع وزارة البيئة، ومباحث الأموال العامة لتتبع وزارة المالية.

تغيير أشكال مباني الشرطة لتصبح زجاجية موحدة الشكل لتعتمد الشفافية منهجًا من حيث الشكل والمضمون

كما هدفت الوزارة إلى تغيير صورة الشرطة أمام المواطنين من خلال خطوتين رئيسيتين. أولًا، إعداد حملات إعلامية لتُعلن للمواطنين أهداف الجهاز الجديدة ومهامه. ثانيًا، تغيير أشكال مباني الشرطة لتصبح زجاجية موحدة الشكل لتعتمد الشفافية منهجًا من حيث الشكل والمضمون.

خلال ثلاث سنوات استطاعت وزارة الداخلية الجورجية، والتي كانت مسئولة عنها وزيرة مدنية شابة تبلغ من العمر 27 عامًا، أن تنجز عملية إصلاح الجهاز الشرطي، ليعمل بكفاءة وشفافية ودون وجود أي من عناصر الشرطة القديمة. حيث تم إحلال جميع الضباط بضباط جدد من المدنيين والخريجين الجدد لأكاديمية الشرطة.


النساء وإصلاح الشرطة

منطقة الخطر الرئيسية ليست المنطقة التي يدوّي فيها الرصاص، ولكنها المنطقة التي تصدر فيها التذاكر ضوضاءً





الرئيس الأوكراني «بوروشينكو» أمام ضباط الشرطة الجدد

خرج آلاف المواطنين في الشوارع الأوكرانية عام 2013

معترضين

على فساد جهاز الشرطة، ومطالبين بإنشاء ديمقرطية جديدة وقوية، حيث كان جهاز الشرطة في أوكرانيا مثل نظيره الجورجي، معروفًا بفساده وانعدام كفاءته واستعماله كأداة للقمع والبطش للمواطنين.

ومع نهاية عام 2014 بدأت عملية إصلاح جهاز الشرطة بأوكرانيا، إلا أنها كانت مختلفة بعض الشيء عن باقي التجارب. فلجأت أوكرانيا إلى سيدة جورجية تسمى «إيكاترين زجولادز» للقيام بعملية الإصلاح، وتم إعطاؤها الجنسية وتعيينها كنائبة لوزير الداخلية لتنجز مهامها.



جندت قوة جديدة وتم البدء بولاية كييف

قامت

إيكاترين

بالعمل بالتوازي مع عملية الإصلاح، فقد جندت قوة جديدة للعمل بجانب القوات الحاضرة وقتها (والتي تم حلّها واستبدالها بالقوات الجديدة لاحقًا)، كما تم البدء بولاية كييف كتجربة ثم تعميمها في باقي الولايات. وتم الإعلان عن وجود وظائف بجهاز الشرطة تقدم لها 34 ألف مواطن ليتم اختيار ألفي شخص من بينهم 500 امرأة، كما كان أغلبهم ذوي قدر جيد من التعليم، وتم تدريب القوات الجديدة لتصبح جاهزة خلال شهرين ونصف حتى حلت محل القوات القديمة.

دوريات الشرطة الجديدة بأوكرانيا

لم يتم الاكتفاء بحل قوات جديدة مدربة محل القوات الفاسدة، ولكن لجأت إيكاترين إلى اتخاذ عددٍ آخر من

الإجراءات

، فقد تم رفع رواتب ضباط الشرطة من 30 دولار أمريكي إلى 300 دولار، من أجل تحسين الظروف المعيشية للضباط حتى لا يلجأوا للرشوة والفساد. كما تم وضع قاعدة بيانات للقوانين التي تنظم الشرطة حول العالم من أجل الاستفادة منها وتحسين قانون الشرطة الأوكراني، وبالنظر إلى الظروف الاقتصادية لأوكرانيا والتي لا تستطيع تغطية جميع تكاليف عملية الإصلاح. فقد تم اللجوء إلى الممولين الخارجيين والقطاع الخاص من أجل توفير الزي والمعدات الجديدة، بالإضافة إلى تقليص أعداد الضباط بالجهاز من 90 ألف شخص إلى 30 ألف فقط، إلى جانب تطوير المناهج بأكاديمية الشرطة حتى تخدم الأهداف الجديدة للشرطة.

تجربة جديدة وجهاز فاسد، إلا أنه تم إصلاح الشرطة وفي فترة وجيزة. فعندما تحضر الرغبة والإرادة في الإصلاح يصبح الأمر أسهل كثيرًا. في شهرين ونصف استطاعت أوكرانيا أن تحل وحدات جديدة كليًّا محل الوحدات الفاسدة.


من الحرب الأهلية إلى الإصلاح

دوريات الشرطة الجديدة بأوكرانيا

دوريات الشرطة الجديدة بأوكرانيا

قوات الشرطة بليبيريا

قوات الشرطة بليبيريا

150،000 شخص لقوا مصرعهم و 850،000 لاجئ ضحية الحرب الأهلية الأولى في ليبيريا، والتي بدأت عام 1989 واستمرت حتى 1997. وبعد عامين فقط من الحرب الأولى نشبت الحرب الأهلية الثانية والتي انتهت عام 2003 باتفاق السلام الشامل، والذي نصّ على ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في ليبيريا متضمنة جهاز الشرطة، والذي كان يتصف بالمركزية والعمل لصالح الرئيس و العسكرة إلى جانب اتسامه بدرجة كبيرة من التسييس. وكانت الشرطة تستخدم السلاح ضد المدنيين دون تمييز.

تمت مبادرة إصلاح الأجهزة الأمنية تحت رعاية الأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا

تمت مبادرة إصلاح الأجهزة الأمنية تحت رعاية الأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إلا أن مهام إصلاح الشرطة كانت موكلة إلى قوات الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة.

بدأت عملية الإصلاح عام 2004 بهدف مبدئي وهو 3،500 شرطي ليبيري، إلا أن قوات الأمم المتحدة وجدت أنه يصعب تأهيل الجهاز الحالي بسبب ضعف تعليمهم وكبر سنهم مما دفعهم إلى فتح باب التقديم في أكاديمية الشرطة، وفق المعايير الآتية:

  • أن يكوم المتقدم ليبيريًّا، يتراوح عمره ما بين الـ18: 35 عامًا، وليس لديه أي سجل إجرامي من قبل.
  • إذا كان المتقدم يشغل منصبًا سياسيًّا فيجب أن يتنازل عنه. وعدم السماح لأفراد الشرطة بتقلد مناصب سياسية لتجنب صراعات المصالح.

وفي عام 2007 تم إلقاء القبض على 2،500 ضابط شرطة ليبيري ثبت تورطهم في عمليات فساد وقتل خارج القانون، لتصل ليبيريا عام 2008 إلى جهاز شرطة تم إعادة تدريب 58% من أفراده. كما تلاشت الرشوة وعلميات الفساد ولم تصبح مؤسسية كما كان الحال قبل ذلك.

تثبت التجربة الليبيرية أنه في بعض الأحيان هناك ضرورة للتدخل الخارجي، عندما تغيب الإرادة وتغيب المؤسسات السياسية المنوطة بالقيام بأعمال الإصلاح والهيكلة.

أجهزة فاسدة تتخذ من الرشوة والقمع منهجًا للفساد، يُعد ذلك العامل المشترك لتلك الأجهزة الشرطية الثلاثة، بينما كانت الرغبة فى التغيير والإصلاح هي العامل المشترك لتلك التجارب، حيث الاهتمام ببناء أجهزة شرطية تعمل بكفاءة لخدمة المواطنين وليس لخدمة الحكام والسلطة.


المراجع



  1. هشام سيد طلحة, مشكلة الاندماج الوطني في ليبريا, رسالة ماجستير, جامعة القاهرة, معهد البحوث و الدرسات الافرقية, 2012, ص 83-97
  2. Adedeji Ebo, The Challenges And Opportunities of Security sector reform in post conflict Liberia, Geneva center for the democratic control of armed forces, December 2005, pp 20
  3. Jemilatu abduali, security sector reform in Liberia challenges and lessons learned, 2011